مختار محمود يكتب: رسائل انتخابات «الصحفيين» في اليوم العالمي للصحافة

تزامنت انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارة نقابة الصحفيين المصريين، التي جرت في الثاني من مايو الجاري، مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يحل في الثالث من مايو.
منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة خصصت منذ العام 1991 الثالث من مايو يومًا لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة.
كما تُعتبر هذه المناسبة فرصة للصحفيين لمناقشة قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، والدفاع عن استقلالها وجميع القضايا ذات الصلة.
على صعيد انتخابات نقابة الصحفيين.. فإن مرشح الحكومة يخسر مقعد النقيب للمرة الثانية على التوالي. قبل عامين.. أخفق خالد ميري، وهذه المرة فشل عبد المحسن سلامة.
وفي المرتين.. كانت الحكومة تحشد لمرشحيها وتوفر لهم الدعم المادي واللوجستي، أو ما يُعرف بـ«المال السياسي».
وفي المرتين حسم خالد البلشي الانتخابات لنفسه وبفارق هائل، رغم افتقاده ما حظي بها منافساه من دعم متعدد الروافد والنوافذ والمسارات.
التعليقات التي صاحبت إعلان «البلشي» -الذي لا يعمل بأي من المؤسسات الصحفية الحكومية الكبري أو الصغرى- كشفت عن صدمة لمؤيدي المرشح الحكومي الخاسر،
ومن بينهم: إعلاميون وصحفيون كبار لم يفلحوا في إخفاء حسرتهم عقب تنصيب «البلشي» نقيبًا للمرة الثانية؛ لأسباب معقدة من بينها: إدراكهم العجز عن التأثير والتوجيه والحشد في انتخابات قوامها لا يتجاوز 10 آلاف ناخب!
اللافت في الأمر أن قطاعًا ممن انتخبوا «البلشي» لم يختره لقناعته التامة به وبالتيار الذي يمثله، ولكنه بايعه؛ رفضًا لمرشح الحكومة «أيًا كانت هويته»، وهو ما يُعرف بـ«التصويت العقابي».
الحكومة تعاملت مع انتخابات نقابة الصحفيين، كما تتعامل مع غيرها من النقابات الأخرى؛ وهذا مؤشر خطير ذو دلالات سيئة، ويكشف عن الطريقة الخاطئة التي تفكر بها الحكومة أو من تستعين بهم، وتسترشد بآرائهم!
الفشل المتكرر لمرشح الحكومة في انتخابات الصحفيين هو نتيجة منطقية لأحوالهم ومعاناتهم خلال العشرية الأخيرة على الأقل.
يعاني الصحفيون مهنيًا، من حيث التضييق عليهم وإغلاق الآفاق أمامهم، بل وتشريد عدد كبير منهم، كما يعانون اجتماعيًا؛ بسبب تدني رواتبهم بشكل غير مسبوق وعجزهم عن مجاراة موجات الغلاء التي ضربت جيوب المصريين عمومًا برعاية الدكتور مصطفى مدبولي.
إذا ربطنا هذه الانتخابات ونتيجتها باليوم العالمي لحرية الصحافة، نجد أن هناك علاقة مباشرة ووطيدة ومتشابكة.
في الانتخابات بحث الصحفيون عن حرية مفقودة في ميدان العمل، فأفصحوا عنها من خلال رفض مرشح الحكومة، رغم «حزمة الإغواءات» التي أغرى بها الناخبين، ولم يبالوا بها رغم احتياجهم الشديد لها.
كان الاختبار صعبًا ومعقدًا وخارج المنهج، ولكنهم أثبتوا جدارة واستحقاقًا بالانتماء إلى مهنة تقوم دعائمها -في الأساس- على الحرية والديمقراطية والكرامة وعزة النفس.
الرسالة الوحيدة والمباشرة التي يجب أن تستوعبها الحكومة من نتيجة انتخابات الصحفيين، هذه المرة والمرة التي سبقتها، هي أن تدرك أنها تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا، وأن تعيد حساباتها في التعامل معهم، وأن تنظر إليهم باعتبارهم «أصحاب رأي وفكر وهوية مستقلة»، وليس مجرد قطيع أو «قطع شطرنج»، تتحكم فيها وتوجههم كيفما تشاء، ووقتما تشاء، وتسيطر عليهم بخطاب استعلائي منفر منتهي الصلاحية، أو تغازلهم بحزمة مكتسبات مؤقتة.
إن كانت الأمم المتحدة خصصت يوم حرية الصحافة العالمي 2025 للتركيز على تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية الصحافة، وتدفق المعلومات بحرية، واستقلالية الإعلام، فإنه من العبث أن الحكومة لا تزال تمارس قيودًا مركبة على المهنة، بما يمنع تدفق المعلومات، ويعدد الخطوط الحمراء، والملفات الشائكة التي لا يجوز الاقتراب منها، ويطعن حرية الصحافة في أعز ما تملك!
تقول اليونسكو في ديباجة احتفال هذا العام: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في دعم حرية التعبير من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات، والسماح لعدد أكبر من الناس بالتواصل في جميع أنحاء العالم، وتغيير كيفية تدفق المعلومات على مستوى العالم.
وفي المقابل فإن الحكومة لا تزال تعاني وتتعثر وتتلعثم في التعامل مع الصحفيين، متخلية عن الحد الأدنى من الذكاء في التعامل مع الصحفيين والصحافة، ويكفي أن مصر تحتل المركز 170 من أصل 180 دولة شملها تصنيف مؤشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة.