خلال سبع سنوات عجاف.. ظلت السمة الثابتة في شخصية رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي تبنيه خطابًا مُهذبًا. حرص «مدبولي» طوال تلك السنوات على الالتزام بمفردات رصينة لا تُغضب أحدًا. الخطاب الإعلامي المنضبط لـ«مدبولي» جعله في منطقة آمنة رغم الأداء المترهل لحكومته. كان الناس يثنون على كلماته وخطاباته وذكائه في امتصاص غضبهم، حتى إن بعضهم رشحه لتقديم برنامج توك شو بعد الخروج من الحكومة. معلومٌ من الإعلام بالضرورة في هذا الزمان.. أن الإعلامي يبقى ناجحًا كلما تمكن من خداع مشاهديه!
بين عشية وضُحاها، وفور خلعه النظارة السميكة وخضوعه لعملية تصحيح إبصار «ليزك».. نسف «مدبولي» حمامه القديم، وتقمص شخصية جديدة، أبرز مقوماتها: «لسان حاد» كثير السقطات والزلات.. راح فين زمن الكلام الجميل يا درش؟!
رغم اتساع حالة الفقر، وكثرة الأزمات، وتعدد الحوادث المأساوية والفشل الدائم والمتكرر.. إلا أن «مدبولي» أصبح شرسًا، وربما فظًا غليظ القلب. لا أظن أن لدى معالي رئيس الوزراء وقتًا يشاهد فيها أفلامًا مثل: «قلب الأسد» و«الألماني»؛ حتى يكتسب هذه اللغة الخشنة المنفرة!
في ظهوره الأخير.. يغضب «مدبولي» من نقد أداء حكومته التي جلبت على الشعب ما لم تجلبه حكومة سابقة. يقارن صاحب الستين عامًا إلا ستة أشهر بين تعامل دول خارجية «لم يسمها» مع النقد، وبين ما يحدث في مصر، مشككًا في وطنية من يبرزون السلبيات التي لم تعد في حاجة إلى من يُبرزها.. سلبيات حكومتك السنية تتحدث عن نفسها يا دكتور!
فات «مدبولي» وهو ينتقد المصريين، أن يتحدث عما تفعله هذه الدول مع شعوبها، وكيف أنها لا تناصبها العداء ولا البغضاء ولا الكراهية.. «حكومتك بتكره الغلابة يا دكتور»، ولا تقيم لهم وزنًا ولا اعتبارًا ولا قدرًا.
في تلك الدول التي تحتج بها يا دكتور، لا يستعينون فيها بخدمات مسؤول مشكوك في نزاهته العلمية وجدارته المهنية، ويصرون عليه إصرارًا. في ألمانيا مثلاً يا دكتور.. استقالت وزيرة التعليم بعدما ثبت إدانتها في سرقة علمية قديمة جدًا، كما نُزعت منها درجة الدكتوراه.. «شوفت الفرق يا دكتور»؟!
في تلك الدول الي لم تُسمها يا دكتور.. عندما يقع حادث قطار أو حادث مروري مروع.. يبادر المسؤول من تلقاء نفسه بمغادرة منصبه، ويعلن تحمل المسؤولية، ولا يتم تجديد الثقة فيه.. «واخدلي بالك يا دكتور»؟!
في تلك الدول التي لم تُسمها يا دكتور.. يحصل الشعب على ما يكفيه من طعام وشراب ودواء وتعليم. هذا الحد الأدنى من مقومات الحياة لم يعد متاحًا في عهد يا دكتور.
في تلك الدول التي لم تُسمها يا دكتور.. لا يتم إذلال أصحاب المعاشات ولا قهرهم، ولا إجبارهم على الطواف في الميادين والشوارع، يتكففون الناس.. هل ترضاه لنفسك يا دكتور.. ألم يرق قلبك يومًا من أجلهم؟
سيادة رئيس الوزراء.. إذا كان سقراط قال قديمًا: «تكلم حتى أراك»، فإن مقتضيات المرحلة تستوجب ألا تتكلم ولا تبوح بشيء ولا تُدلي برأي، ولا تستخف بشعب مكلوم، ولا تضغط على جراحه.. «شغل الرمل والزلط له مكانه ووقته وظروفه يا دكتور»!