مقالات

مختار محمود يكتب: وصايا غاندي

في يوم مثل هذا قبل 77 عامًا.. أمطر هندوسي متعصب جسد المهاتما غاندي النحيل بالرصاص فأرداه قتيلًا. كانت جريمة «غاندي» -التي دفع حياته ثمنًا لها- هي دعوته إلى احترام حقوق المسلمين في الهند. كان «غاندي» مدافعًا عن حقوق المنبوذين في بلاده، ومن بينهم: المسلمون. كان ذا نفس أبية، محبًا للناس، وداعية سلام وخير وتسامح.

اسمه الأصلي: موهندس كرمشاند غاندي. أبصر النور في الثاني من أكتوبر العام 1869 بإحدى مقاطعات الهند. كان والده رئيس وزراء إمارة بور بندر. وأسرته كانت ذات باع كبير في العمل السياسي. درس القانون في بريطانيا. وفي العام 1891 حصل على إجازة لمزاولة المحاماة. أما لقب «المهاتما» الذي اقترن باسمه فيعني: «صاحب النفس العظيمة» أو «القديس».

المتتبع لمواقف «غاندي» يدرك أنه كان ذات نفس عظيمة وقديسًا؛ ويكفي أنه مات في سبيل دفاعه عن حرية وحقوق المسلمين المنبوذين في بلاده. لا يزال المسلمون في الهند يواجهون ظروفًا صعبًا وتمييزًا عنصريًا، بحسب ما قال حفيد غاندي لوسائل الإعلام في ذكرى وفاة جده العام قبل الماضي، وكما تترجمه الأحداث الجارية على الأرض حتى اللحظة؛ لا سيما أن الحكومة الهندية الحالية بإدارة «ناريندا مودي» تُغذي هذا السلوك غير الإنساني على نطاق واسع.

أوضاع المسلمين في الهند

في السابع عشر من أغسطس 2022.. نشرت بي بي سي تقريرًا عن أوضاع المسلمين في الهند قدَّرت عددهم بـ 200 مليون نسمة، ما يجعلها ثالث أكثر بلد من حيث عدد المسلمين في العالم بعد كل: من إندونيسيا وباكستان. عرج التقرير إلى أن أكبر أقليّة في البلد ذي الغالبية الهندوسية تواجه خطاب كراهية عنيفًا ومتطرفًا على كل المستويات من الدوائر الرسمية والشعبية هناك، وسط صمت مريب من العالم الإسلامي!

كان «غاندي» -كما أسلفنا- إنسانًا عظيمًا، مدافعًا عن الإنسانية بكل ما يملك من إرادة فولاذية لا تلين. من القوانين الراسخة التي وضعها «غاندي» في دفاعه العظيم عن الإنسانية: «أية جريمة أو إصابة، بغَضّ النظر عن القضية، اُرتكبت أو سُبِّبَت لشخص آخر هي جريمة ضد الإنسانية»، داعيًا الناس بألا يفقدوا الأمل في الإنسانية؛ فإن الإنسانية محيط، وإذا كانت بضع قطرات من المحيط قذرة، فلا يصبح المحيط بأكمله قذرًا.

آمن «غاندي» بأن الأقوياء فقط هم مَن يملكون القدرة على المغفرة والصفح المبين، حيث كان يردد: «الضعيف لا يغفر؛ فالمغفرة شيمة القوي»، مؤكدًا: «في اعتقادي الراسخ أنّ قوة الروح تنمو بتناسب مع إخضاعك للجسد». كان ينصح مَن حوله قائلًا: «لا أحد يدوم لأحد، تعلم كيف تكون قويًا بنفسك».

ترك «غاندي» ومضات آسرة وأقوالًا رشيدة تصلح منهاجًا لحياة تخلو من الأحقاد والصراعات والعنف والكراهية والبغضاء والضغائن. من بين إرشادات «غاندي» الحياتية: «يكمن المجد في محاولة الشخص الوصول إلى هدف، وليس عند الوصول إليه»، مشددًا على أن الحب يمكنه كسر كل الحواجز.

«غاندي».. والوصايا الإسلامية

تقاطعت بعض نصائح «غاندي» مع وصايا إسلامية، مثل: «عِش كما لو كنت ستموت غدًا، وتعلم كما لو كنت ستعيش للأبد»،

حيث يُنسب إلى الصحابي عمرو بن العاص قوله: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».

احتل «الضمير» مساحة كبيرة في وصايا «غاندي»، حيث كان يؤمن بأن الضمير يُحتم أنه «لا عبرة لقانون الأكثرية»،

كما كان على قناعة بأنه «يجب أن يعيش الأغنياء ببساطة أكثر؛ حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا»، مردفًا:

«هناك محكمة عليا أعلى من محاكم العدل، وهي محكمة الضمير، إنّها تعلو بكثير كل المحاكم الأخرى».

وقر في عقيدة «غاندي» أن «العناية الإلهية لديها ساعة مضبوطة لكل شيء، لا يمكننا قيادة النتائج، يمكننا فقط السعي جاهدين».

طالما تحدث «غاندي» عن صنف من البشر لا يشبعون ولا تمتلئ بطونهم أبدًا، وهم مَن وصفهم بقوله:

«هناك أناس في العالم على درجة من الجوع المادي، لدرجة أن الله لا يمكن أن يظهر لهم إلّا في شكل الخبز».

من الأقوال الكاشفة في سيرة «غاندي» قوله: «سيتجاهلونك، ثم يحاربونك، ثم يحاولون قتلك، ثم يفاوضونك، ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر».

مختار محمود البرعي

كاتب صحفي وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights