تقارير

مذبحة القلعة.. قصة الحُكّام والدّم

– مذبحة القلعة، أو مذبحة المماليك، أشهر واقعة في التاريخ المصري، بعد “مذبحة رابعة” التي وقعت في 14 أغسطس 2013م.

– دبّرها “محمد علي باشا” للتخلص من أعدائه المماليك، عندما جاءته الدعوة من الباب العالي (تركيا الآن) لإرسال حملة للقضاء على الوهابيين في الجزيرة العربية،

خشى “محمد علي” من غدر المماليك به؛ إذا خرج الجيش للجزيرة العربية

– كان “محمد علي” يريد الانفراد بسلطة مصر، فكان عليه التخلص من الزعامة الشعبية والجُند الألبانيين الذين حاولوا قتله، وأكثر المشاكل التي واجهت “محمد علي” هُم المماليك الذين كانوا يرون أنهم (الحكام الأصليون) لمصر، فكانوا يختلقون المشاكل والفتن والإزعاج لـ محمد علي، فلم تنفع معهم محاولات الصلح، ولا العطايا والأموال التي قام بها “محمد علي” كثيرًا لينال رضاهم، حتى أنه أعطى “مراد بك” زعيم المماليك، حُكم الوجه القبلي، مقابل فريضة من المال وعدم مساعدة المماليك للإنجليز، ولكن فشلت كل محاولات “محمد علي” في إسكاتهم وتحييدهم.

حتى جاءت الفرصة لـ محمد علي …

دعا “محمد علي” زعماء المماليك إلى القلعة، بحجة أنه سوف يقيم حفلا لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابيين، وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل صوبٍ من أركان مصر، من مشرقها إلى مغربها، ولم يشكّ زعماء المماليك في نِـيّة محمد علي، بل استعدوا وارتدوا الملابس الرسمية استعدادا للحفل، وهم لا يعلمون أنه سوف يكون آخر يومٍ لهم في الحياة.

– في يوم الحفل (1 مارس 1811م) استعد “محمد علي” للمذبحة، وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون أحصنتهم، وبعد أن انتهى الحفل الفاخر، دعاهم “محمد علي” للمشي في موكب الجيش الخارج للحرب.

– يتقدّم الموكب عددٌ كبير من الأحصنة التي يركبها جيش محمد علي، بقيادة ابنه: (إبراهيم بك)، ثم طلب “محمد علي” من المماليك أن يسيروا في صفوف الجيش لكي يكونوا في مقدمة مُودّعِيه، وفي هذه اللحظة بعد أن خرج الجيش من باب القلعة أُغلِقَت الأبواب، وبدأت المجزرة بطلقة في الهواء، كانت الإشارة المتفق عليها لتنفيذ تلك العملية التي لم ولن ينساها التاريخ يومًا.. فقد كانت بداية المذابح التاريخية للمصريين.

انهال الرصاص من كل صوبٍ ومن كل مكانٍ على المماليك .

– أول مَن قُتِل من قادة المماليك: “شاهين بك” جد الداعية الدكتور عبد الصبور شاهين (رحمه الله)

– الوحيد الذى نجا من مذبحة القلعة هو “أمين بك” الذي قفز بحصانه من فوق سور القلعة، وقبل أن يلمس الحصان الأرض، قفز من فوقه ..

– يُـقـدِّر المؤرّخ عبد الرحمن الجبرتي، عدد مَن قُـتِلَ في القلعة بأكثر من (500 مملوك)، وحوالي 2000 آخرين في عمليات القتل التي تبعتها في طول مصر وعرضها، ونصبَ جنود محمد علي، مصطبة أمام باب زويلة، وعلّقوا عليها رؤوس القتلى لتكون رادعا لمن تسوّل له نفسه تحدّي السلطة الجديدة التى كانت ما تزال في بدايتها، وليعلنوا انتهاء عصر المماليك في مصر إلى الأبد، وميلاد الحُكم العَلَوي.. والذي استمر حتى سنة 1952م.

——

المصادر:

1- عصر محمد علي (عبد الرحمن الرافعي)

2- الموسوعة الميسّرة في التاريخ الإسلامي (د. راغب السرجاني)

3-أيام من دم: من كربلاء إلى مذبحة القلعة (وليد فكري)

4- أيام محمد علي (عصام عبد الفتاح)

5- موسوعة تاريخ مصر (أحمد حسين)

6- محمد علي وأولاده (جمال بدوي)

7- أيام المماليك (محمد أمير)

………

لكن..

مَن هو محمد علي الذي حكمَ مصر؟؟

(محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا القوللي)

الميلاد: 4 مارس 1769م، بمدينة قَوَلَة، مقدونيا (قَوَلَة: بفتح حروف القاف والواو واللام)

(قَوَلَة = كافالا: مدينة يونانية تقع في شمال منطقة مقدونيا)

الوفاة: 2 أغسطس 1849م، (80 سنة) الإسكندرية، مصر،

– حاكم مصر، في الفترة من 1805م إلى 1848م، بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها، وبعد ثورة الشعب على سلفه خورشيد باشا،

– بواسطة ذكائه الحاد، واستغلاله للظروف المحيطة به؛ نجح في أن يستمر حاكما على مصر، 43 سنة..، ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.

– في كتابه: (كل رجال الباشا.. محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة).. يفضح المؤلف الدكتور خالد فهمي، حقيقة “محمد علي” تاجر الأفيون وأكبر سارق للآثار المصرية

– يرى المؤلف أن مقولة “محمد علي باني مصر الحديثة” مقولة كاذبة

كما يرى أن إمبراطورية “محمد علي” العسكرية وحروبه في كلٍ من السودان، والحجاز، واليونان، وسوريا، لم تكن نابعة من رغبته في تحقيق استقلال مصر عن الدولة العثمانية كما يزعم أغلب المؤرخين، وإنما كانت نابعة في الأساس من أطماعه التوسعية، وكراهيته للوحدة الإسلامية، ورغبته في تحقيق المجد الشخصي له ولأسرته من بعده.

فقد كان محمد علي، مدمنا للحشيش (الأفيون) خامورجيا.. لا علاقة له بالإسلام إلا في اسمه …

– يؤكد المؤلف أن “محمد علي” عند تأسيس الجيش لم يدر بخلده أن يستعين بالمصريين في الجيش، فهم بالنسبة له مجرد “فلاحين أغبياء” لا يصلحون للجندية، فاستعان في بداية الأمر بالألبان، إلا أنه لم يستطع أن يمارس أساليب الانضباط عليهم، وحين تمرّدوا عليه قرر جلب جنود للجيش من السودان، وأرسل حملة إلى السودان لهذا الغرض، وكان يُسمّي “البشر” الذين يتم جلبهم من السودان للتجنيد بـ”العبيد”.

– عندما زادت نسبة وفيات الجنود القادمين من السودان، خلال رحلة جلبهم من هناك إلى مصر، ووصلت إلى الآلاف؛ اضطر محمد علي، في النهاية، إلى تجنيد المصريين الفلاحين في الجيش بعد أن كان يرفض هذا من قبل.

– كان محمد علي باشا أُميًّا لا يعرف القراءة والكتابة، وتعلمها وهو في سن السابعة والأربعين من عمره، وكان لا يعرف من اللغة العربية حرفا واحدا..

– سبب ثراء محمد علي باشا، (تجارة الدخان)  التي تعلّمها من صديقه التاجر الفرنسي «ليون»، والمتاجرة في الآثار المصرية.

– استخدم محمد علي سياسة ميكافيللي، ورفع شعار «من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك».. ولذا كان مكروها من المصريين في ذلك الوقت.

– رغم أنه كان جاهلا لا يقرأ ولا يكتب، إلا أنه كان عبقريا – حاد الذكاء – سبق عصره ومعاصريه في كل شيء

– كان يفاجيء رجال حكومته في أماكن العمل، فكان يظهر في الإسكندرية أو القاهرة من دون ترتيب أو معرفة أحد، ويرفض الإقامة في القصور أثناء سفرياته في الأقاليم، بل كان ينصب خيمة يستقبل فيها الأعيان،

– كان محمد علي قليل النوم، دائم النشاط، لا يهدأ أبدا ولا يرتاح، ويشك في كل شيء، وأي أحد، فكان يستيقظ في الرابعة صباحا، والعمل عنده يبدأ من قبل شروق الشمس يوميا.. ولذا أتعب كل العاملين في القلعة.

– قال الدكتور على الصلابي: لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة، وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها، أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه، إلا إذا كان يستند إلى قوة تخطِّط له، وتُعِينه على تحقيق أهدافه، وتسخّره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة)، ويكفينا أن نعرف أن محمد على كان ماسونيًّا، كارهًا للأديان والشريعة الإسلامية تحديدا..

وكان أميًّا كما ذكر الدكتور سيد العفاني فى موسوعته: أعلام وأقزام.

وفاته:

– في 2 أغسطس 1849م، بالإسكندرية، مات حاكم مصر التاريخي، وقاتل المماليك في مذبحة القلعة: “محمد علي” عاريًا مجنونًا، وعمره 80 سنة، وتم تشييع جنازته سرا، ولم يشارك فيها أحد..

– مات “محمد علي” مجنونا، فـقـدَ عقله تمامًا قُبَيل وفاته بحوالي 3 سنوات، حتى أنه لم يعرف بموت ابنه “إبراهيم باشا”.. واضطرت عائلته إلى ربطه كالبهائم، وحبسه في حجرة نائية داخل القلعة لا يخرج منها، ولا يراه أحد.. لكنه كان قد بدأ في الشرود، وأصابه مرض “ألزهايمر” بعد مؤتمر لندن في 1840م، والذي سلبه كل شيء..

فسبحان الله العظيم، ملك الملوك المُعِزّ المُذِل

——-

أهم المصادر:

1- عصر محمد علي (عبد الرحمن الرافعي)

2- محمد علي (إلياس الأيوبي)

3- حروب محمد علي (السيد فرج)

4- دولة محمد علي والغرب (حسن الضيقة)

5- أعلام وأقزام (د. سيد العفاني)

6- كل رجال الباشا (د. خالد فهمي)

7- الدولة العثمانية.. عوامل النهوض وأسباب السقوط (د. علي الصلابي)

8- محمد علي باشا والماسونية (د. علي الصلابي)

9- محمد علي باشا (د. محمود السيد الدغيم)

10- تاريخ الجبرتي (عبد الرحمن الجبرتي)

————

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights