تعاونت دار المعارف، إحدى دور النشر العريقة في مصر، مع مبادرة “سيرة القاهرة”، التي أُطلقت قبل بضع سنوات لتوثيق تاريخ القاهرة، لإنتاج سلسلة من المجلدات تروي قصة مدينة الألف مئذنة. وفي يناير وفبراير، صدر المجلدان الأولان.
المجلد الأول، “بيوت القاهرة “، من تأليف الباحثة التاريخية ياسمين عبد الله. يتناول الكتاب هياكل وقصص بيوت القاهريين منذ الفتح الإسلامي، معتمدًا على المخطوطات القديمة وكتب التاريخ من القرن العشرين، بالإضافة إلى مشاهدات شخصية.
المجلد الثاني، “خطط القاهرة” ، هو مزيج من مقابلات ودراسات للباحث الشهير فتحي حافظ الحديدي، الذي صدر مجلده الأول عن القاهرة عام ١٩٩١ عن دار المعارف. يستكشف “خطط القاهرة” التطور العمراني للمدينة منذ تأسيسها على يد الفاطميين حتى ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢.
وقد قام بتحرير المجلدين والإشراف عليهما مؤسس سيرة القاهر عبد العظيم فهمي.
إنها جزء من جهد لإعادة النظر في تاريخ القاهرة، لا كتشاف جديد، ولا طرح أطروحة محددة حول تاريخ أقدم عاصمة في تاريخ البلاد. بل يقدم كل مجلد من المجلدين جولة في شوارع المدينة القديمة، مصحوبًا بدليل يربط أجزاء العواصم الثلاث التي كانت مصر تحت الحكم الإسلامي قبل تأسيس القاهرة: الفسطاط، والعسكر، والقطائع.
في كتابها، تُجادل عبد الله بأن عمارة منازل عواصم مصر الثلاث الأولى تأثرت بشدة بطرازَي دمشق وبغداد، العاصمتين الرائدتين للسلالات الإسلامية بين القرنين السابع والعاشر. وتُضيف أن أسلوب بناء المنازل المميز في القاهرة بلغ ذروته خلال العصر المملوكي، من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر. حينها، بنى كبار القادة ومساعدو السلطان منازل فخمة مصممة لتوفير أقصى درجات الراحة والرفاهية، لإبهار الزوار. يزخر كتاب عبد الله بتفاصيل قيّمة حول التصميمات الداخلية للمنازل القليلة التي نجت، بالإضافة إلى عظمة تلك التي هُدمت، والتي وُثّقت في سجلات المؤرخين والرحالة أو لوحات المستشرقين.
ويتتبع الكتاب أيضًا تطور بناء المنازل في القاهرة، وخاصة قبل وبعد الدولة الفاطمية، التي جعلت من القاهرة مقرًا حصريًا للخليفة وأعوانه.
ويشير عبدالله إلى أن هذه القاهرة الملكية تذكرنا إلى حد كبير بعالم ألف ليلة وليلة، حيث كانت القاعات مزينة بالذهب حيث كان الخليفة يتناول العشاء مع مساعديه وكان ألف حارس يحرس جدران القصر من غروب الشمس إلى الفجر كل يوم.
ويسلط عمل عبد الله الضوء أيضًا على الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية التي سمحت للتجار والشخصيات الدينية البارزة بالعيش في منازل واسعة، في حين كان أصحاب المهن الأقل يقيمون في روبا (مباني كبيرة بها العديد من الغرف ومدخل واحد ومرافق مشتركة) أو حوش (ساحات كبيرة بها غرف في كل زاوية).
وتلاحظ أنه بحلول أواخر القرن الثامن عشر، كان حوالي 86% من سكان القاهرة يعيشون في منازل أو شقق مستقلة، في حين كان سبعة% فقط يعيشون في روبا وأربعة% يعيشون في حوش .
يستكشف كتاب الحديدي تطور بناء المساكن في القاهرة، ضمن السياق الأوسع للتطور العمراني للمدينة. لا يدّعي هذا الكتاب تقديم سرد زمني أو تفصيلي للتطور العمراني للمدينة، بل يُسلّط الضوء على لحظات حضرية رئيسية، استنادًا إلى بحث مُكثّف، وسط ما يصفه المؤلف بنقصٍ كبير في المصادر الأصلية.
يقدم كتاب الحديدي لمحة عامة عن توسع المدينة، الذي شمل أكثر من 300 ضعف مساحة قطعة الأرض الفاطمية الأصلية. كما يناقش الطبيعة المتغيرة لأسواق المدينة ومقاهيها، والتحول الأسلوبي والاتجاهي الذي أحدثه الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر – الذي اختار الحفاظ على القاهرة القديمة وبناء عاصمة جديدة في منطقة نائية نسبيًا – وتطوير الطرق الحديثة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
بالإضافة إلى ذلك، يقدم الكتاب نظرة ثاقبة حول الأسماء المتغيرة للشوارع والمؤسسات.
يقدم كلا المجلدين منظورًا أوسع لشوارع المدينة والمباني التي تعود إلى العصور الوسطى والتي لا تزال قائمة.
وتساهم هذه المشاريع مجتمعة في النقاش الدائر حول تاريخ القاهرة ومستقبل تراثها المعماري، الذي اكتسب أهمية كبيرة في السنوات الأخيرة مع بناء وافتتاح العاصمة الإدارية الجديدة