صدر أخيرا في الإمارات العدد رقم 78 من مجلة “مراود” التي يصدرها معهد الشارقة للتراث، والمعنية بالتراث الإماراتي والعربي والإنساني.
وتصدّر العدد ملفا بعنوان: “المساكن التراثية..عمارة تختزن عبق الماضي”، وأفردت المجلة مقاربات عدة، ودراسات متنوعة، استعرضت جوانب قيّمة من عناصر الفنون الشعبية بما يشمله من معارف وفنون.
واشتمل العدد على موضوعات غنيّة وقراءات مهمة تحتفي في مجملها بالتراث العربي ورموزه ومكوناته وعناصره كافة، وهي وقفات مهمة لتسليط الضوء على جوانب خفية، وأخرى مطموسة أو منسية من تراثنا الشعبي العربي.
وفي افتتاحية العدد، أكد الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس التحرير، على أن: “المساكن التراثية في إمارة الشارقة تمثل ذاكرة حية تعكس ثراء الموروث العمراني المحلي”. وأكد أن هذه العمائر التقليدية تتنوع بين السكنية والدفاعية والتجارية والدينية، منتشرة في مختلف أنحاء الإمارة.
وأشار المسلم إلى أن “بيوت الشارقة القديمة كانت تنقسم إلى نوعين رئيسيين: منازل القرميد والحجر في المركز، وأكواخ السعف على طول الساحل”، موضحاً أن هذا التوزيع كان يعكس الفوارق الاجتماعية حيث سكن الأثرياء في البيوت الطينية بينما اقتصرت مساكن الفقراء على بيوت السعف.
وأوضح أن “الشارقة شهدت تحولاً عمرانياً كبيراً بعد قيام الاتحاد واكتشاف النفط”، مشيراً إلى أن المدينة كانت تحوي قبل ذلك التاريخ “كمية كبيرة من بيوت السعف باستثناء مسكن أو اثنين من الطين”.
وأضاف المسلم: “لقد وثّق الرحالة كمبال في النصف الأول من القرن التاسع عشر وصفاً دقيقاً لمساكن الشارقة التي كانت تتكون أساساً من أكواخ البراستي المصنوعة من جريد النخيل، بينما كانت المساكن الحجرية نادرة ومقتصرة على مدينتي الشارقة ورأس الخيمة”.
وأكد رئيس معهد الشارقة للتراث أن “هذه البيوت التراثية مثل بيت الشيخ سلطان بن صقر القاسمي وبيت النابودة وبيت السركال تشكل اليوم جزءاً أصيلاً من الذاكرة الجماعية”، معتبراً أن “حفظ هذا الإرث المعماري يمثل أولوية للحفاظ على الهوية المحلية”.
وفي كلمته على الصفحة الأخيرة من المجلة، سلط الدكتور منّي بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بمعهد الشارقة للتراث:” إن مدينة الشارقة القديمة كانت تتشكل من منازل مبنية إما من القرميد أو الحجر، بينما امتدت على طول الشاطئ أعداد لا تحصى من الأكواخ المصنوعة من الخشب وسعف النخيل، والتي سكنها الصيادون والبحارة بشكل أساسي.
وأضاف بونعامة أن هذه الأكواخ امتدت شمالاً، مشكلة مع المدينة مساحة إجمالية تفوق مساحة لنجة بنحو الثلث، وفقاً لوصف الرحالة البريطاني وليم بلجريف في القرن التاسع عشر.
وأكد أن المدينة ظلت على هذا الحال لعقود طويلة، حتى قيام الاتحاد واكتشاف النفط، الذي أحدث طفرة عمرانية غير مسبوقة.
وأشار إلى أن البيوت المبنية من الطين والأحجار كانت تتركز في مناطق مثل الشويهيين والشرق والخان واللية، حيث كانت متلاصقة بأزقة ضيقة، بينما سيطرت بيوت السعف على معظم المساكن، مما يعكس التمايز الطبقي بين السكان.
وقال: “كانت بيوت الطين للسكان المقتدرين، بينما كانت بيوت السعف للفقراء، كما أن المواد المستخدمة في البناء مثل الحجر والجص كانت تختلف باختلاف المستوى المادي، حيث كان الأثرياء يستوردونها من فارس”.
وأوضح أن الإحصائيات التاريخية تشير إلى وجود 450 بيتاً مبنياً بالجص والصخور والمرجان البحري في الشارقة والفشت عام 1831م، مقابل 2600 بيت من سعف النخيل، بينما كانت المساكن المبنية بالجص في الخان واللية قليلة، في حين بلغ عدد بيوت السعف 150 بيتاً.
ولفت إلى أن الشارقة شهدت نزوحاً كبيراً زاد من كثافة المناطق المعمورة، لكن الحملة البريطانية عام 1819م أوقفت هذا التطور بعد تدميرها البيوت المحصنة والأبراج في الشارقة والفشت ومناطق أخرى.
واختتم بالقول: “رغم ذلك، كانت الشارقة الأسرع نمواً بين موانئ القواسم بفضل الاستقرار الذي عاشته في عهد الشيخ سلطان بن صقر ، وتوقيع معاهدة السلام في توفير قاعدة متينة للأذدهار الاقتصادي والنمو العمراني”.
وفي ملف العدد نقرأ: “المساكن التراثية.. بين الأصالةوالتجديد”، لفهد علي المعمري، ويكتب د. سالم زايد الطنيجي: عن ” البيوت القديمة..إرث معماري يرفض الزوال”، ونقرأ للدكتور مصطفى جاد عن “قصة العمارة الشعبية”، فيما جاءت مشاركة د. عائشة الغيص بعنوان “المساكن الأماراتية التراثية..عمارة تحكي قصة الإبداع وبساطةالماضي”، وتكتب فاطمة سلطان المزروعي مقال بعنوان “العناصرالمعماريةبالعمارة التقليديةفي دبي. مرآةالأصالة وجذور الهوية”، وتسلط مريم سلطان المزروعي الضوء على “الأبراج ..بين عبقرية البناء وهيبة التاريخ”.
ويكتب د.فهد حسين عن “الشيخة مي ..والتراث المعماري”، ونقرأ للدكتورة زينب قندور غربال “بيوت الحفر .. بمطماطة القديمة قرية ليست على الأرض هي من الأرض”، ونقرأ لدكتور خالد متولي”التراث المعماري السجل التاريخي الحي”، ويسلط دكتور اسعدعبدالرحمن عوض الله الضوء على” القطية .. السكن التقليدي في السودان”، ويكتب دكتور عادل الكسادي عن ” المحددات الثقافية والمعمارية للمباني التراثية في الشارقة”بيت السركال نموذجا.
ويكتب خالد صالح ملكاوي عن :” المساكن التراثية..ذكاء التكيف ورقاء الروح لثراء السرد “، وتسلط رانيا العنزي الضوء على “فن العمارة في المغرب قصبة أبت بن حدو نموذجا ” ويختتم ملف العدد مهدي الشموط بمقال عن “البيوت أثرها في الاستقرار المكاني والزماني”.
موسيقى الشعوب
وفي باب “موسيقا الشعوب” نقرا لعلي العبدان “فهم ما بين الموسيقى والحياة اهداف علم الاناسة الموسيقى”، وفي باب “فنون شعبيه” يكتب علي العشر عن “فن السيفية”، وفي باب “دراسة” نقرا لمحمد عبدالله نور الدين عن ” الملا عبود الكرخي.. لسان الشعب وقيثارته الشعرية”، وفي باب “قراءات أدبية” يكتب خالد عمر بن ققه عن ” حي بن يقطان..قصة الإنسان العاقل في كنف غزالة “، وفي باب “أفق “يكتب أحمد بهي الدين “التنوع الثقافي والتراثي الحي فلسفة الإختلاف وصون الهوية “.
وفي موضوعات العدد أيضا، نقرأ تكتب الدكتورة وضحى الغريبي في باب “فنون تراثية” عن “التراث الثقافي..مؤثر إبداعي على الفن التشكيلي الإماراتي”، ونطالع للدكتور خالد بن حمد مبارك القاسمي مقالاً بعنوتن “بلاد ماجان .. الأهمية الاستراتيجية والصلات التجارية”، وفي باب “خواطر “يكتب ظلال سعد الرميضي عن “ابن الحضينة “الذي وثق الحياة الاجتماعية في أشعاره، وفي باب “مقاربات” يناقش دكتور خليل السعداني “التاريخ الجديد للشركات”،وفي باب “نقوش الذاكرة “نقرأ للدكتور أحمد الشكري عن “الحاج عمر الفوتي..الفقية الصوفي والزعيم السياسي بالقضاء السنغامبني”، وفي باب “واحة القراءة “نطالع للدكتور مهران محمود الزعبي كتاب “البرتغاليون في بحر عمان “،وفي باب “ضفاف “تقدم العالية ماء العينين كتاب “العجباني “في الكرامات الموريتانية، وفي باب “أمثال شعبية “يكتب دكتور شهاب غانم عن “العقل والقلب في الأمثال العدنية “،
وفي باب “الموروث الشعبي” نقرا للاستاذ الدكتور خالد ابوالليل: “الموروث الشعبي في عصر الذكاءالاصطناعي”، وفي باب “ميزان الكتب “تستعرض سارة إبراهيم إصدارات تثري المكتبة العربية،وفي باب “نافذة “تختتم المجلة العدد بمقال حول “الرسم بالحبر الصيني “للكاتبة أدبية تشاني ون جبون وترجمة جعفر هوتسنغ تشيان.
يُذكر أن “مراود” هي مجلة معنيّة بالتراث الإماراتي والعربي والعالمي، ويرأس تحريرها الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومستشار التحرير ماجد بوشليبي، الخبير الثقافي بمعهد الشارقة للتراث، ومدير التحرير الدكتور منَي بونعامة، مدير إدارة المحتوي والنشر بمعهد الشارقة للتراث، ويتكون مجلس التحرير من: على العبدان، وعتيج القبيسي، وعائشة الشامسي، وسارة إبراهيم، وسكرتير التحرير أحمد الشناوي، كما تضم هيئة التحرير منير حمود وبسام الفحل للإخراج الفني والمراجعة اللغوية، وتصدر المجلة شهريا عن معهد الشارقة للتراث.