“مرثيّةٌ لضيفِ الله”.. شعر: محمد منصور الكلحي
![محمد الضيف](https://alomah.net/wp-content/uploads/2025/02/thumbs_b_c_54ee632d0a7d52c64aa6016d54f4afe6-300x169.jpg)
(إلى الشهيد محمّد الضّيف)
——————-
أبا خالدٍ قد آنَ أنْ تترجَّلا
وتَعرُجَ حتى تُحمِدَ الخُلْدَ مَنْزِلا
فَقَرّ، وإن لم تَعرِف القَرَّ قبلَها،
فليس لضيف الله أن يَتحوَّلا
أحقًّا أبا الفُرسان لم تَرضَ مَصعَدًا
إذا أنتَ لم تَركَبْ أغَرَّ مُحجَّلا
فديتُكَ! كان الموتُ شاغِلَ أهلِهِ
وعن أكرم العادات مِن قَبْلُ مُذهِلا
ولكنَّهُ لم يُلْفِ مثلَكَ ماجدًا
ولا قُلَّبًا صُلْبَ الشَّكِيمةِ حُوَّلا
ولم تَرْجُ شيئًا غيرَهُ فتَهابَهُ
ولم يكُ مجهولًا لديكَ فتَحْفِلا
يظنُّ بنو صُهْيونَ موتَكَ حِيلةً
تسوق إليهمْ بعدها الغَيْبَ جَحٔفلا
وأنّكَ كتّبتَ الكتائبَ غازيًا
صفائحَ من تحت التراب وجَندَلا
ترَكتَ مَثارَ النَّقْعِ خلفَكَ مُخْبِرًا
بأنّ خَلاصًا لن يظَلَّ مُؤَجَّلا
بأنْ شَجَرُ الزَّيْتُون باقٍ وَلاؤُهُ
لِيَعصِرَهُ الشَّعْبُ الذي جاء أوَّلا
تُباهي به أهلَ السماء أُحدِّثوا
بأعظمَ من ذاك الصمودِ وأطولا
يُحارِبُ شَعبٌ وحدَه الناسَ كلَّهمْ
كأنْ حسَدُوه الأرضَ والصَّبرَ والعُلا
ويَأبَى إذا ما استُمْرِئَ الهُوْنُ حَوْلَهُ
كأنْ كانَ قِدْمًا بالإباءِ مُوَكَّلا
قضى دِيْنُ أرباب التحضُّر أَمْسِ أنْ
يُعاقَبَ باستمسَاكِه فيُقتَّلا
وزَوَّدَه دِينُ النبيِّ محمَّدٍ
بأثبتَ من رضوى وسَلْمَى ويَذْبُلا
وأعجبُ شِعرِ الأكرمينَ جُدُودِهِ
إليه: وجدتُ الصَّبْرَ بالحَرِّ أجملا
لِيَهنِئْكَ -ضَيْفَ الله- أشرفُ قِتْلةٍ
إذا مات قومٌ بِطْنةً وتَرَهُّلا
وكانت -على مَضّ الجراح وحَرِّها-
جِراحُكَ من تلك النياشينِ أنْبَلَا
لِتَهنئْكَ حُوْرٌ طبَّبَتْكَ عُيُونُها
ترى كَحَلًا ما زانها لا تَكَحُّلا
لِيَهنئِْكَ صَحْبٌ من صَحابةِ أحمدٍ
تُطارِحُهم شَأْنَ القِتالِ مُبَجَّلا
يقولون: هل أَعطيتَ عهدا مُوَكَّدًا
أبا خالدٍ أن تَقْضيَ الدَّهْرَ مُقْبِلا
وما بالُ هذي البندقيةِ أشبَهَتْ
سُيُوفًا غَذَوناها السَّواعِدَ والطُّلَى
فحَدَّق فيها ذو الفِراسةِ منهمُ
فقال: نَماها ذو الفَقار، فكيف لا؟!
لِتَهنِئْكَ جَنّاتٌ تذكِّرُكَ التي
لِتَرجِعَ كالجَنّاتِ أرْخَصْتَ ما غَلا
تَخِذتَ لها مِ العُمْرِ وَرْدًا لِتَقبَلا
ومَن بَذَلَ العُمْرَ النَّفِيسَ فما أَلَا
فتُشرِفُ من فوق السماوات ناظرًا
إليها عروسًا عن قريبٍ ستُجْتلَى
معوَّذةً من كل عينٍ لحُسنِها
فترنو إليها باسمًا متهلِّلا
تحلِّق أسرابُ الحَمامِ بجوِّها
سرورًا بأنْ صهيونُ عن أرضِها جَلا
وهدَّمتِ الأسوارَ طيرٌ حَبيسةٌ
وكبَّر شعبُ الصامدين وهلَّلا
ورُدَّ إلى الأقصى بهاءُ شبابِهِ
كأنْ لم يكن سبعينَ عامًا مكبَّلا
كأنَّ شُموسًا ذُوِّبَتْ في قِبابِهِ
غَداةَ بأنوار الملائكِ سُرْبِلا
تَميسُ الثَّكالَى والأراملُ يَوْمَها
بباحتِهِ بِيضَ الجلابيب والحُلَى
أبا خالدٍ لم تَهدِ شَعْبَكَ وحدَه
ولكنْ شُعُوبًا كلُّها بعدُ مُبتلَى
أُلِحَّ عليهم بالسِّياطِ فأُخرِسوا
فما يُنكِرون الضَّيْمَ إلا تَمَلْمُلا
فإنْ أوشكوا أنْ يَستبينوا طريقَهمْ
فإن لهم في ذي البُطولةِ مَشْعلا