مركز أبحاث بريطاني: وقف إطلاق النار في غزة ضرورة اقتصادية
قال مركز الأبحاث البريطاني تشام هاوش أن الاقتصاد العالمي معرض للخطر نتجية طول أمد الحرب على غزة.
لقد خلفت حرب غزة خسائر بشرية مدمرة، خاصة بين السكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع. وقتلت القوات أكثر من 25 ألف فلسطيني، وتشريد 90% من السكان من منازلهم.
كما تسببت في أضرار اقتصادية واسعة النطاق، ليس فقط لغزة والضفة الغربية، بل أيضا للدول المجاورة ولدولة الاحتلال نفسها. هناك حجج سياسية وإنسانية قوية لصالح وقف إطلاق النار، ومن الممكن أن نضيف إليها حجة قوية ناشئة عن المصلحة الاقتصادية الذاتية.
ولا ينطبق هذا على دول مثل الأردن ومصر فحسب، حيث تضررت اقتصاداتها الضعيفة بالفعل بشدة، بل وأيضاً على دول الخليج العربية الكبرى، التي سوف يُطلَب منها تمويل جزء كبير من تكاليف إعادة البناء والتعافي.
الدول المجاورة تواجه صعوبات اقتصادية
قبل الهجوم الذي شنته حماس وغيرها من الفصائل المسلحة في غزة على دولة الاحتلال في 7 أكتوبر، كانت البلدان المحيطة تواجه درجات متفاوتة من الصعوبات الاقتصادية. وظل لبنان غارقاً في أزمة مالية عميقة، خففت إلى حد ما من خلال زيادة السياحة وتحويلات المغتربين.
لقد فشلت سوريا في جني أي فوائد كبيرة من إعادة قبولها في جامعة الدول العربية، وارتفع التضخم إلى مستوى قياسي تجاوز 100% وفقاً لبعض الاقتصاديين المحليين.
سجل الأردن بعض التحسينات المتواضعة على خلفية انتعاش السياحة، لكن معدل نموه كان أقل من 3%، والبطالة أكثر من 20%، والتزامات الإنفاق الكبيرة على رواتب الدولة والإعانات والجيش تعني أنه لم يتبق سوى القليل للاستثمار. بينما بلغ الدين العام نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت مصر تعاني من أزمة حادة في النقد الأجنبي، حيث وصل معدل التضخم إلى 40%. وكان الانتعاش القوي للسياحة والزيادة المطردة في إيرادات قناة السويس من بين النقاط المضيئة القليلة.
التداعيات الاقتصادية للرد
ومن ناحية أخرى، كان الاقتصاد في حالة صحية سيئة، وكان في طريقه نحو نمو بنسبة 3%، مع فائض في الحساب الجاري، واحتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ 200 مليار دولار. وكانت الضفة الغربية تعاني من تأثير ارتفاع مستويات العنف، ولكن كانت هناك بعض المؤشرات الإيجابية في غزة.
إن الزيادة في تصاريح العمل الإسرائيلية واحتمال تطوير حقل الغاز البحري في غزة تعكس جزئياً سوء تقدير دولة الاحتلال الفادح بأن حماس لن تفعل أي شيء من شأنه تعريض التحسينات الاقتصادية، مهما كانت هامشية، للخطر. واستفاد سكان غزة أيضًا من التحويلات النقدية المنتظمة التي وافقت عليها دولة الاحتلال من قطر. وقد غطى هذا رواتب موظفي الخدمة المدنية، في حين أطلق سراح حماس لاستخدام مواردها الخاصة لتمويل تطوير بنيتها التحتية العسكرية.
كان لهجوم 7 أكتوبر والرد العسكري المدمر على نطاق واسع تداعيات اقتصادية خطيرة. وقد تفاقمت هذه الآثار بسبب هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، ولا يزال هناك خطر حقيقي لمزيد من التصعيد الذي يمكن أن يلحق الضرر باقتصادات دول الخليج العربية، التي لم تظهر بعد أي آثار سيئة خطيرة من الأزمة.
لقد تضرر الاقتصاد من التكاليف المرتبطة بتعبئة قوات الاحتياط في الجيش، وانخفاض السياحة، وضعف معنويات الأعمال. ومع ذلك، لا يزال بنك إسرائيل يتوقع مستوى معقولاً من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعامي 2023 و2024، وعجزاً مالياً متواضعاً نسبياً.
وانخفض سعر الشيكل الجديد بشكل حاد في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين بعد أن أفرج البنك المركزي عن 30 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. لقد وفرت المساعدات العسكرية الأميركية درعاً للاقتصاد، ومن غير المرجح أن يتوقف هذا الأمر.
وقد أعربت إدارة بايدن عن خلافاتها مع السياسة الصهيونية والتكتيكات العسكرية، ولكن هناك فرصة ضئيلة في أن تمارس ضغوطًا حقيقية، بما في ذلك شكل من أشكال العقوبات الاقتصادية، لدعم ذلك. ومن ناحية أخرى، أضافت دولة الاحتلال ضغوطاً مالية إلى هجومها العسكري، الأمر الذي يعكس النية المعلنة للطرف المهيمن في السياسة الصهيونية بدفع الفلسطينيين إلى الخروج من غزة والضفة الغربية.
التأثيرات على مصر والأردن
إن أي حركة جماعية للفلسطينيين إلى مصر والأردن من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية الخطيرة بالفعل التي يواجهها كلا البلدين. وكان التأثير المالي الأكثر مباشرة على مصر هو انخفاض رسوم قناة السويس وتباطؤ السياحة. ويشكل مصدرا الدخل نحو 25% من إجمالي أرباح الحساب الجاري لمصر البالغة نحو 100 مليار دولار في 2023.
سيكلف الانخفاض في إيرادات قناة السويس أكثر من مليار دولار في الربع الأول من عام 2024، وبينما لم يكن التأثير على السياحة سيئًا كما هو الحال في الأردن، حيث انخفض بنحو 40٪ عن المستويات السابقة، كانت مصر تعتمد على ذلك. النمو في هذا القطاع باعتباره أحد المصادر الرئيسية لإيرادات النقد الأجنبي.
وتتحدث مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض جديد، لكن من المرجح أن يؤدي هذا إلى خدش سطح ما تحتاج إليه خلال العامين المقبلين. وقد أوضحت دول الخليج العربية أنها غير مهتمة بخطة إنقاذ جديدة، كما أدت البيئة السياسية الإقليمية السامة إلى إضعاف شهيتها للاستثمار في الخصخصة.
وتواجه مصر خطرا متزايدا للتخلف عن سداد أجزاء من ديونها الخارجية البالغة 165 مليار دولار. وكانت إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً سبباً في حجب القلق العميق بشأن الظروف الاقتصادية (التي سبقت حرب غزة) والغضب الشديد إزاء غزة وإزاء مدى ضعف استجابة مصر للأزمة.
وتتفق مصر والأردن على أنه يجب ألا يكون هناك إعادة توطين للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وأنهما لن يلعبا دورا مباشرا في توفير الأمن والإدارة في غزة. وبعيداً عن هذه الخطوط الحمراء، لا توجد دلائل تذكر على وجود أي أفكار بناءة حول كيفية ضمان وقف دائم لإطلاق النار.
مصالح دول الخليج الآن في خطر
ولم تلعب قوى الخليج العربية دورها بعد. وشاركت قطر في الوساطة بشأن الرهائن، في حين قامت، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بشحن المساعدات الإنسانية التي تقطرت إلى غزة.
وقد أجبرت الأزمة هذه الحكومات على إعادة تقييم استراتيجيتها المتمثلة في إقامة علاقات أوثق مع كل من إيران ودولة الاحتلال، في حين تستخدم مكاسبها النفطية الأخيرة للاستثمار في تأمين مكانتها الاقتصادية في عصر ما بعد النفط. وتراجعت القضايا المزعجة مثل فلسطين إلى أسفل جدول أعمالهم.
وهم يواجهون الآن خطر أن يؤدي المزيد من التصعيد الإقليمي للصراع إلى التأثير على مصالحهم الحيوية. ومن قبيل الخيال أن نتوقع من دول الخليج أن تستخدم سلاح النفط، كما حدث في عام 1973 (خاصة وأن الولايات المتحدة أصبحت الآن قوة عظمى في مجال النفط والغاز). ويعتبر التطبيع أيضًا ورقة مساومة واهية، سواء تم استخدامه كتهديد بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال أو تم تقديمه كإغراء من قبل المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، من المؤكد أن دول الخليج العربية يمكنها أن تفعل المزيد للضغط من أجل التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، والمشاركة بشكل كامل في المداولات السياسية حول مستقبل غزة والضفة الغربية، واستخدام قوتها المالية في خدمة إعادة الإعمار والتعافي.