بصمت ثقيل وحزن ممزوج بالغضب، أسدلت الجزائر الستار على واحدة من أكثر القضايا التي هزّت ضمير المجتمع وأثارت جدلاً واسعاً بين الأمل والرعب والصدمة.. الطفلة مروة بوغاشيش، ذات الـ13 عاماً، التي خرجت يوم 22 مايو الماضي إلى مدرستها بقسنطينة لأداء آخر امتحاناتها، ولم تعد.
لأكثر من شهر، كانت عائلتها والمجتمع الجزائري بأكمله يبحثون عنها، يعلّقون صورها على الجدران، يشاركون منشورات “كلنا مروة” على مواقع التواصل، ويطلقون وعودًا بمكافآت مجزية لكل من يملك طرف خيط. وفي المقابل، انشغل آخرون بنشر شائعات مفزعة؛ قيل إنها هربت، وإنها ليست ضحية، وإن القصة كلها “مبالغ فيها”.. لكن الحقيقة التي ظهرت كانت أشد فظاعة من كل الشائعات.
من حلم الامتحان إلى كابوس الجبل
كاميرات المدرسة رصدت مروة وهي تغادر المكان برفقة صديقتين بعد أداء الامتحان، وكانت تلك آخر لحظة تظهر فيها علناً. لم يكن في سجلّ الطفلة أي مؤشرات على هروب محتمل، بل كانت كما وصفها أهلها: متفوقة، هادئة، محبوبة، لا تحمل أوجاعاً سرية في قلبها الصغير.
ثم جاء الإعلان الصادم مساء الأحد 29 يونيو. وكيل الجمهورية في محكمة قسنطينة أعلن رسمياً العثور على جثة مجهولة في غابة جبل الوحش، وأثبت تحليل الحمض النووي أنها تعود لمروة. الجثة كانت في حالة تعفن شديدة… ومقطعة الأطراف.
مشهد مؤلم ومطالب بالعدالة
انتقل فريق من الشرطة العلمية والطبيب الشرعي إلى مكان العثور على الجثة، وبدأ تحقيق موسّع لتحديد ملابسات الجريمة وكشف هوية الفاعلين. لكن ذلك لم يكن كافياً لإطفاء الغضب الشعبي. “أعدموه”، “أعيدوا قانون الإعدام”، “لم تكن مروة وحدها.. أطفالنا في خطر”.. تلك كانت بعض من صرخات الناس على المنصات الإلكترونية، إذ لم تكن مأساة مروة حادثاً معزولاً، بل استحضرت من الذاكرة الشعبية سلسلة مرعبة من جرائم اختطاف وقتل الأطفال.
في المقابل، اتجهت سهام الغضب أيضاً نحو بعض المؤثرين الذين روّجوا لفرضيات مضللة وساهموا في تشتيت جهود البحث، حين زعموا أن مروة “لم تكن مفقودة”، بل “هربت مع قريب لها”، وهو ما نفاه والدها وأكده مسار التحقيق.
مروة.. اسم سيبقى محفوراً
برحيل مروة، انكسرت قلوب لم تكن تعرفها لكنها أحبتها كأنها من أهلها. لم يكن أحد يتمنى أن تكون نهاية قصة الطفلة التي حلمت فقط بالنجاح في الامتحان بهذا الشكل المأساوي. تركت وراءها أسئلة لا تُجاب بسهولة: من قتلها؟ ولماذا؟ وهل العدالة قادرة على الرد باسمها وباسم كل من فقدوا أبناءهم في غياب الأمن الكافي؟
مروة ليست مجرد ضحية جديدة، بل صرخة في وجه التراخي، وعارٌ على جبين المجتمع إن لم يحوّل غضبه إلى قانون يحمي الضعفاء، ويستبق الجريمة قبل أن تُرتكب.
ولتبقَ صورتها البريئة، في قلوبنا، دافعًا لكل أب وأم، ولكل مسؤول، كي لا تكون هناك “مروة أخرى” تنتظر في ظلمة غابة ما أن يعثر أحد عليهم بعد فوات الأوان.