حضر رئيس مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في كردستان ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، اليوم الأحد، حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الجامعة الأمريكية في كوردستان (AUK)، وذلك في مراسم أُقيمت في مدينة دهوك.
وخلال المراسم، ألقى رئيس مجلس أمناء الجامعة ورئيس الحكومة، كلمةً هنّأ فيها الخريجين، وسلّط الضوء على الإصلاحات التي تُنفذها حكومة إقليم كردستان في مختلف القطاعات، كما تطرق إلى الخطط الحكومية الطموحة لتنويع مصادر الاقتصاد وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا.
وجاء في كلمة مسرور بارزاني : إننا لنجتمع لا لنحتفي فحسب بنجاحكم الأكاديمي الذي تُوج بجهودكم الدؤوبة، بل لنكرم أيضاً ما أظهرتموه من عزيمة وصمود ورؤية قادت خطاكم إلى هذا المقام. أتقدم باسم مجلس الأمناء ونيابة عن كردستان قاطبة، بأسمى التهاني القلبية لكل فرد منكم.
وأضاف : إن احتفال اليوم يتجاوز كونه مجرد مناسبة للاحتفاء بإنجازكم الذي نلتموه عن جدارة، ليشكل منعطفاً حاسماً في مسيرتكم. فاليوم، تودعون رسمياً دروب التعلم المنظم لتطأ أقدامكم رحاباً فسيحة زاخرة بالفرص والمسؤوليات والطموحات. أنتم بناة مستقبل كردستان، وتنطلقون في هذه المسيرة محصنين بالمهارات والمعارف والوشائج التي نميتموها منذ التحاقكم بركب الجامعة الأمريكية في كردستان.
وقال رئيس حكومة الإقليم إن الجامعة الأمريكية في كردستان هي بمثابة نقطة انطلاق لإحداث أثر بنّاء وملموس في كردستان والعالم أجمع. وإنني على ثقة تامة بأن القيم النبيلة التي رسختها فيكم هذه الجامعة العريقة، من شغف بالمعرفة، وتفكير نقدي بنّاء، وتطلع نحو الأفضل، وتعاون مثمر، وخدمة للمجتمع، ونزاهة لا تشوبها شائبة، ستكون نبراساً يضيء دروبكم ويسمو بكم، بقدر ما ستلهم وتحفز نظراءكم وأصدقاءكم وزملاءكم.
إننا نمضي قدماً في قيادة إصلاحات تحويلية جذرية تشمل أرجاء إقليم كردستان كافة، وهذه الإصلاحات لا تمثل أفكاراً نظرية، بل هي سياسات ملموسة ستحمل أثراً فورياً، من خلال الارتقاء بمستوى رفاه مواطني كردستان بشكل ملحوظ؛ إذ ستمهد الطريق نحو الازدهار، وتحقق نمواً اقتصادياً شاملاً ومستداماً، وتعزز اندماج كردستان في الأسواق الإقليمية والعالمية، ولقد شكّلت زيارتي الأخيرة إلى الولايات المتحدة محطة فارقة في هذا المسعى، حيث جددنا التأكيد على شراكتنا الراسخة القائمة على القيم المشتركة مع الولايات المتحدة وشعبها الصديق، تلك الآصرة التي توطدت وتنامت باطراد منذ تسعينيات القرن الماضي. وخلال تلك الزيارة، أبرمنا اتفاقيات استراتيجية مع شركات طاقة أمريكية رائدة، لتكون بمثابة محركات للنمو الاقتصادي والاستثمار والابتكار. والأهم من ذلك كله، أنها ستسهم في توفير وظائف وفرص نوعية في قطاعات حيوية، وهي فرص تتماشى على أتم وجه مع ما تملكونه من مهارات، وما يحدوكم من طموحات، وما أنتم عليه من جاهزية للقيادة والتصدر.
والأمر الأكثر أهمية، أن كردستان، وللمرة الأولى في تاريخنا، أظهرت التقدم الذي أحرزناه نحو تحقيق استقلال اقتصادي لا يرتكز على النفط فحسب، بل رؤية اقتصادية تستند إلى نهضة قطاعات غير نفطية، كالمصارف والزراعة. وبالفعل، فإننا من خلال هذه الرؤية الاقتصادية الطموحة، نرسي دعائم كردستان أشد قوة وأكثر صموداً. ففي مختلف أنحاء إقليمنا، يجري تشييد شبكات طرق رئيسية، وتوسيع منظومات إمداد المياه الحيوية، وإنشاء سدود جديدة لضمان مستقبل أجيالنا.
واستطرد بارزاني: إننا نعمل على تأمين مقومات الحياة العصرية، لا لجيلنا الحاضر فحسب، بل للأجيال اللاحقة أيضاً. وفي صميم هذا التقدم برمته، يكمن التزام ثابت بتوفير طاقة كهربائية يعتمد عليها. فمن خلال مشروع “روناكي” الطموح، نعمل على تحويل أحد أكبر تحدياتنا إلى واحد من أعظم إنجازاتنا الفارقة، لتضاء به المنازل، وتدار به المصانع، وتتجسد به بشائر كردستان أكثر إشراقاً وازدهاراً.
وسعيا لتحديث أنظمتنا المالية، أطلقنا مبادرة “حسابي” المصرفية، وهي الأولى من نوعها في كوردستان. هذا المشروع يهدف إلى تمكين المواطنين عبر تيسير حصولهم على الخدمات المصرفية الرقمية، وتعزيز الشفافية، وترسيخ ثقافة أوسع نطاقا لريادة الأعمال والمساءلة.
وفي قلب كل هذا التقدم المحرز تكمن قوة دافعة واحدة: ألا وهي التكنولوجيا. فالذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي لم يعودا مفهومين بعيدي المنال؛ بل أصبحا واقعاً ملموساً يعيد تشكيل اقتصادنا ومجتمعنا، ولهذا السبب، فإننا نستثمر في مراكز الابتكار ونشجع على إقامة شراكات وثيقة بين الجامعات وقطاع التكنولوجيا. وإنني لأحثكم جميعاً على أن تبقوا على جذوة الفضول متقدة فيكم، وأن تستكشفوا هذه الميادين الرحبة، وأن تضمنوا أن تكون كوردستان جزءاً لا يتجزأ من الثورة العالمية للذكاء الاصطناعي.
وأضاف بارزاني : إن طاقات شعبنا الكامنة لا يمكن أن تتحقق على الوجه الأكمل إلا بوجود نظام رعاية صحية متين وموثوق، وهذا الأمر يبدأ بوجود كوادر صحية تتمتع بالمهارة والرحمة، وتشكل دعامة لمجتمع ينعم بالصحة والإنتاجية. لقد ارتأينا في الجامعة الأمريكية في كوردستان برنامجا للتمريض لا يقتصر على الالتزام بالمعايير الدولية فحسب، بل ليكون نموذجاً يحتذى به على مستوى البلاد بأسرها. ويمثل اليوم معلماً تاريخياً بارزاً، إذ يملؤني الفخر وأنا أشهد تخرج الدفعة الأولى من خريجي التمريض، الذين حظي كل واحد منهم بمنحة دراسية كاملة، فهم لا يمثلون إنجازاً أكاديمياً فقط، بل يجسدون أملنا في كوردستان أكثر صحة ونماء. ولن يتوقف التزامنا عند هذا الحد، فنحن نسخّر إمكانياتنا أيضاً في برامج التطوير المهني لتمكين الكوادر التمريضية العاملة، وتزويدهم بالمهارات والدعم اللازم للارتقاء بمستوى الرعاية الصحية في جميع أنحاء كردستان والعراق.
ولا ينبغي أن نغفل عن الركائز الأساسية: فالعامل المُمَكِّن للتقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي والابتكار هو نظامنا التعليمي. إن خطتنا لإصلاح التعليم ماضية قدماً، وعزيمتنا لم تفتر قط لضمان تقوية نظامنا التعليمي من خلال مراجعة وتحديث آليات ضمان الجودة، وعبر إدخال إصلاحات على مستوى الحوكمة، وكذلك من خلال وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس لتقييم الفعالية المؤسسية والتعليمية. وفي الوقت ذاته، نولي أولوية قصوى لرفاه الطلبة ونجعلهم محور العملية التعليمية برمتها. ومن خلال المعايير الوطنية التي استحدثناها للمدارس الابتدائية والثانوية ومؤسسات التعليم العالي، فإننا نرسي دعائم الاستقلال الأكاديمي، بما يمكن المؤسسات من إدارة شؤونها إداريا وماليا بشكل ذاتي. ويشكل هذا تحولا استراتيجيا يضع الابتكار في صلب نظامنا التعليمي. إن هدفنا جلي وواضح: بناء “أمة المعرفة” – أمة يكون فيها التعلم رحلة مستمرة مدى الحياة، ويكون فيها التميز وتكافؤ الفرص هما السمة السائدة.
بصفتكم خريجي الجامعة الأمريكية في كوردستان، إحدى أبرز المؤسسات التعليمية الرائدة في الإقليم، فإنكم من بين الأكثر كفاءة وأهلية لقيادة هذا التحول المنشود، وإنني لأهيب بكم أن تتمسكوا بأسمى المعايير الأخلاقية في ممارستكم لمهنكم، وأن تبقوا متجذرين في هويتكم وأرض وطنكم، حتى وإن ساقتكم الطموحات لاستكشاف الفرص في شتى بقاع العالم. ردوا الجميل لمجتمعكم الذي كان سندا لكم في مسيرتكم.