
في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، عاد شبح “السنوات المظلمة” ليخيم على المسلمين والعرب في الولايات المتحدة. التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن خلال زيارته لتل أبيب بعد الهجوم، واصفًا الحدث بأنه “15 حادثة مثل 11 سبتمبر”، أعاد إلى الأذهان ذكريات هجمات 2001 التي أشعلت موجة من التمييز والعنف ضد المسلمين في أمريكا. لكن اليوم، بعد أكثر من عام ونصف من حرب غزة المدمرة، يواجه المسلمون الأمريكيون تحديات متجددة، حيث يخشون تصاعد جرائم الكراهية وقمع حرية التعبير وسط دعم أمريكي مستمر لإسرائيل.
حرب غزة: صدمة عالمية وتداعيات محلية
كان هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي قادته حركة حماس، الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، حيث قُتل 1,195 إسرائيليًا وأجنبيًا، وأُخذ 251 رهينة. ردت إسرائيل بحملة قصف عنيفة وغزو بري لقطاع غزة، أسفرت بحلول مايو 2025 عن مقتل أكثر من 52,000 فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 110,000 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. الحصار الإسرائيلي المشدد قطع الإمدادات الأساسية، مما تسبب في أزمة إنسانية ومجاعة وشيكة.
في الأسبوع الأول من الحرب، أسقطت إسرائيل قنابل على غزة تفوق ما أسقطته الولايات المتحدة في أفغانستان خلال عام كامل. بحلول أوائل 2025، أصبحت أجزاء كبيرة من القطاع غير صالحة للسكن، مع تدمير المدن، المستشفيات، والمدارس. هذه الأحداث، إلى جانب الدعم الأمريكي العسكري والسياسي الواسع لإسرائيل، أثارت احتجاجات عالمية، معظمها داعم للفلسطينيين، تطالب بوقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال.
عودة شبح 11 سبتمبر
في الولايات المتحدة، يبدو الأمر كما لو أن عقارب الساعة عادت عقدين إلى الوراء. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تعرض المسلمون والعرب لاعتداءات، مضايقات، ومراقبة من أجهزة الدولة. اليوم، يعيش المسلمون الأمريكيون في خوف مماثل. تقرير صادر عن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) في يوليو 2024 أشار إلى زيادة بنسبة 70% في التمييز والهجمات ضد المسلمين والفلسطينيين في النصف الأول من 2024، مقارنة بالعام السابق، مدفوعة بالتوترات المرتبطة بحرب غزة. في أواخر 2023، سجلت المنظمة زيادة بنسبة 180% في الشكاوى خلال ثلاثة أشهر فقط.
أحد أبرز الحوادث كان مقتل الطفل الفلسطيني الأمريكي وديع الفيومي (6 سنوات) في أكتوبر 2023، حيث طعنه جوزيف جوبا، مالك المنزل الذي تسكنه عائلته، 26 مرة، مرددًا عبارات معادية للمسلمين. والدة الطفل، حنان شاهين، أصيبت بجروح خطيرة لكنها نجت، وقالت في المحاكمة التي بدأت في فبراير 2025: “قال لي: أنت مسلمة يجب أن تموتي”. حوادث أخرى شملت محاولة إغراق طفلة فلسطينية أمريكية (3 سنوات) في تكساس، وطعن شاب فلسطيني في تكساس، وضرب شاب مسلم في نيويورك.
في نوفمبر 2023، أُصيب ثلاثة طلاب فلسطينيين بالرصاص في برلنغتون، فيرمونت، بينما كانوا يرتدون الكوفية ويتحدثون العربية، في هجوم يُشتبه أنه جريمة كراهية. تقول زينب محمد، طالبة فلسطينية في إلينوي: “ارتداء الكوفية يجعلني فخورة، لكنه يضاعف إمكانية استهدافي”، مضيفة أنها باتت تتجنب الخروج خوفًا من العنف.
قمع الدعم للفلسطينيين
منذ بداية الحرب، تجدد الربط بين الإسلام والإرهاب في المخيلة الأمريكية، مدفوعًا بصور إعلامية وتصريحات سياسية. هذا الربط امتد إلى الدعم للفلسطينيين، حيث يُساء تفسير التعبير عن التضامن مع غزة على أنه تأييد لحماس أو معاداة لإسرائيل. في الجامعات وأماكن العمل، يواجه الأفراد انتقامًا بسبب مواقفهم، بما في ذلك الفصل من العمل أو التهديدات الأكاديمية. منظمات مثل “مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين” و”حركة الشباب الفلسطيني” نظمت مظاهرات واسعة في مدن مثل نيويورك وواشنطن، لكنها واجهت اتهامات بمعاداة السامية أو التحريض.
على وسائل التواصل الاجتماعي، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش حظر منشورات متعلقة بغزة وحجب حسابات على منصات مثل إنستغرام، مما أثار مخاوف بشأن حرية التعبير. تقول فرزانا علي، مهاجرة هندية: “توقفت عن ارتداء المنديل في الأماكن العامة خوفًا من النظرات الحادة”.
دروس 11 سبتمبر: هل نُسيت؟
في خطبة أثناء تشييع جثمان وديع الفيومي، تساءل الإمام عمر سليمان: “ألم نتعلم شيئًا من 11 سبتمبر؟ هل نريد حقًا أن نعيش تلك السنوات المظلمة مرة أخرى؟”. الإجابة، كما تبدو اليوم، هي أن تلك السنوات لم تنتهِ تمامًا. حوادث العنف، مثل تلك التي استهدفت وديع أو الطلاب في فيرمونت، تُنكئ جرحًا لم يندمل بعد. استمرار الحرب في غزة، مع خطط إسرائيلية معلنة لاحتلال القطاع بشكل دائم وتهجير سكانه، يغذي هذا التوتر.
على الرغم من الجهود المحلية لبناء التضامن، مثل مشروع براد الطعام المجاني في باترسون بقيادة المجتمع الفلسطيني الأمريكي، يشعر العديد من المسلمين بالعزلة. يقول إيماني، أحد الناشطين: “لا يمكننا انتظار مقتل شخص آخر أو مشاهدة المزيد من الأطفال تحت الركام لبدء التعاون”.
الطريق إلى الأمام
مع استمرار الحرب في غزة، وتصاعد التوترات السياسية في الولايات المتحدة، يبقى السؤال: كيف يمكن للمسلمين الأمريكيين الشعور بالأمان في بلد يعيد إنتاج نفس أنماط التمييز؟ المطالبة بالمساءلة، سواء في التحقيقات بجرائم الكراهية أو في سياسات دعم إسرائيل، تبقى ضرورة ملحة.