تواجه أقلية الإيغور المسلمة في الصين حملة قمع ممنهجة تهدف إلى طمس هويتهم الدينية والثقافية، وسط صمت دولي متصاعد. وعلى امتداد السنوات الماضية،
توالت التقارير الحقوقية التي تكشف عن انتهاكات خطيرة تشمل الاعتقال الجماعي، والعمل القسري، ومحو المعالم الإسلامية.
وفي هذا السياق، برز موقف الأزهر الشريف كصوتٍ ديني مؤثر عبّر عن تضامنه مع المظلومين ورفضه للاضطهاد.
“صَينيّة الإسلام” وتحطيم الهوية الدينية
منذ إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ سياسة “صَينيّة الأديان”، بات المسلمون في الصين يواجهون موجة قمع منظم تستهدف محو أي مظهر إسلامي لا يتماشى مع عقيدة الحزب الشيوعي. في عام 2025،
تزايدت هذه الإجراءات، وفرضت السلطات قيودًا على ممارسة الشعائر، كمنع الأذان، وحظر الصيام في المدارس الحكومية، وإزالة القباب والمآذن من المساجد، كما حدث في مسجد شاديان الكبير بمقاطعة يونان.
ويرى الأستاذ أدريان زينز، الباحث المتخصص في شؤون شينجيانغ، أن هذه الإجراءات تمثل “محاولة صريحة لإعادة تشكيل الإسلام في الصين ليتماشى مع سلطة الحزب، مع القضاء على أصوله الثقافية والدينية الأصلية” (Zenz, 2025 – USCIRF).
مراكز الاعتقال.. التلقين بدل التعليم
ما تزال الحكومة الصينية تحتجز مئات الآلاف من الإيغور وغيرهم من المسلمين في ما تسميه “مراكز التدريب المهني”، وهي في الحقيقة معسكرات اعتقال جماعي تستخدم التلقين السياسي القسري، والعمل القسري، والتعذيب.
تقرير مركز Simon-Skjodt التابع لمتحف الهولوكوست الأمريكي (فبراير 2025) أكد أن هذه المراكز لا تزال نشطة، وأن المحتجزين يُجبرون على تعلم اللغة الصينية، وترديد شعارات الحزب، ونبذ دينهم. واعتبر التقرير أن هذه الإجراءات “ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وقد ترقى إلى الإبادة الثقافية”(USHMM, 2025).
من جانبه، قال كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إن “الظروف في شينجيانغ تشكل نمطًا مؤسسيًا لانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتستدعي فتح مسار تحقيق دولي مستقل”(تصريحات في فعالية مع IPI، مايو 2025 – IPInst.org).
العمل القسري.. العبودية المعاصرة
في 2025، واصلت السلطات الصينية نقل الإيغور قسرًا للعمل في مصانع بعيدة عن مسقط رأسهم ضمن ما يسمى “برامج نقل العمالة”. يقدّر تقرير وزارة العمل الأمريكية أن عشرات الآلاف من المسلمين يُجبرون على العمل في قطاعات النسيج والإلكترونيات تحت التهديد بفقدان حريتهم أو إرسالهم لمعسكرات “التثقيف”.
منظمة العمل الدولية (ILO) قالت في بيان مشترك إن “نمط استخدام العمل القسري في شينجيانغ يمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات العمل الدولية”، بينما أكدت هيومن رايتس ووتش أن “العمل القسري الممنهج في الصين يجب أن يُعامَل كجريمة ضد الإنسانية”
ترحيل المسلمين الإيغور قسرًا.. الخطر يتسرب خارج الصين
في فبراير 2025، قامت الحكومة التايلاندية بترحيل 40 شخصًا من الإيغور إلى الصين رغم اعتراضات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مما أثار مخاوف بشأن تعرضهم للتعذيب أو الاختفاء القسري.
مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وصف الحادثة بأنها “انتهاك صارخ لمبدأ عدم الإعادة القسرية”، بينما أعربت منظمة التعاون الإسلامي (OIC) عن “قلق عميق” من الترحيلات، ودعت المجتمع الدولي إلى حماية المسلمين الذين يفرون من الصين. وفق رويترز .
محو الذاكرة الثقافية
سعى النظام الصيني في العامين الماضيين إلى محو كل ما يربط المسلمين الإيغور بجذورهم الدينية والثقافية. وفي تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” و”ذا غارديان”، كُشف عن قيام الصين بتغيير أسماء أكثر من 630 بلدة وقرية إيغورية إلى أسماء صينية، في محاولة لإلغاء الرمزية الدينية والتاريخية.
قالت أماني العلي، الباحثة في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كيب تاون: “هذا ليس تغيير أسماء فقط، بل محو متعمد للهوية، وهي سمة كلاسيكية من سمات سياسات الإبادة الثقافية” (The Guardian – 19 يونيو 2024).
الموقف الإسلامي والدولي.. بيانات بلا قوة
رغم أن بعض الدول الإسلامية مثل تركيا وماليزيا أعربت عن قلقها من أوضاع المسلمين في الصين، فإن أغلب حكومات العالم الإسلامي تلتزم الصمت خوفًا من التأثيرات الاقتصادية.
وقد انتقد الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس حكماء المسلمين، هذا الصمت قائلًا: “إن مسؤولية العالم الإسلامي اليوم ليست فقط في إدانة الظلم، بل في العمل على وقفه ولو بالكلمة”.
منظمة التعاون الإسلامي أصدرت بيانًا في يوليو 2025 دعت فيه بكين إلى “احترام الحقوق الدينية والثقافية لمسلمي شينجيانغ”، لكنها لم ترفق ذلك بأي خطوات تنفيذية أو ضغوط حقيقية (OIC Official Statement – يوليو 2025).
رغم مرور أكثر من عقد على تصاعد مأساة المسلمين الإيغور، فإن عام 2025 لم يشهد أي تحول جذري في الوضع. القمع مستمر، ووتيرته تزداد تعقيدًا عبر أدوات تكنولوجية وتشريعية متقدمة، في ظل شلل دولي إزاء واحدة من أكبر الكوارث الحقوقية المعاصرة.
ويقول دانيال كريغان، الباحث في السياسات الصينية بمؤسسة راند: “القضية في شينجيانغ لم تعد مجرد انتهاك حقوقي، بل هي اختبار حقيقي لقدرة العالم على حماية الأقليات في مواجهة القوى الكبرى. وحتى الآن، النتيجة سلبية”.
موقف الازهر الشريف
في خضم ما يتعرض له المسلمون الإيغور في الصين من قمع واضطهاد ممنهج، لم يقف الأزهر الشريف صامتًا. ففي بيان رسمي صدر في ديسمبر 2019،
أعرب الأزهر عن قلقه الشديد وإدانته الصريحة لانتهاكات الصين بحق مسلمي شينجيانغ، معتبرًا ما يجري “خرقًا صريحًا لحقوق الإنسان وحرية العقيدة”. ودعا حينها الإمام الأكبر أحمد الطيب المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف تلك الانتهاكات.
ورغم عدم صدور بيان مخصص في عام 2025، إلا أن الأزهر ظل يؤكد في المناسبات الدولية تضامنه مع المظلومين في الصين، وكان أبرزها خلال المؤتمر العالمي للسلام في جاكرتا، حيث أشار ممثلوه إلى أن معاناة الإيغور “جرح نازف في ضمير الأمة الإسلامية”.
ويُنظر إلى موقف الأزهر باعتباره من أقوى المواقف الدينية الإسلامية الرسمية التي نددت صراحة بالقمع الصيني، رغم تراجع كثير من الحكومات عن اتخاذ مواقف مماثلة لأسباب سياسية أو اقتصادية.
