تتعدد مشاريع الاحتلال الإسرائيلي الظاهرة والمستترة، من مسافر يطا جنوب الضفة إلى رفح جنوب غزة، لكن هدفها واحد: إفراغ فلسطين من الفلسطينيين. فبينما تُطرح خطط إعادة إعمار غزة كمشاريع «تنموية»، مثل “ترامب ريفييرا” و”المدينة الإنسانية”، تتكشف نوايا إعادة تشكيل ديموغرافي واسع، مدعومة باتفاقات أبراهام والتطبيع العربي.
في الضفة، تُنتهج سياسة التهجير البطيء تحت مسميات قانونية، وتوسعة الاستيطان عبر مشاريع كـ”طريق السيادة” و”نسيج الحياة” التي تقطع أوصال المدن الفلسطينية وتمنح المستوطنات سيطرة على الأرض والبنية التحتية. مخيم جنين، على سبيل المثال، شهد دماراً كاملاً ونزوحاً جماعياً في 2025 بعد عملية “السور الحديدي” الإسرائيلية.
أما غزة، فبعد تدمير ممنهج منذ 2023، تُقدَّم كـ”فرصة استثمارية” يُراد تحويلها إلى «سنغافورة المتوسط» بعد تفريغها من سكّانها. خطة “الثقة العظمى” تسعى لتهجير مئات الآلاف مقابل تعويضات مالية وتغيير كامل في البنية الاقتصادية والديموغرافية.
حتى القوانين الدولية، التي تحظر التهجير القسري، تُخرق دون رادع، وسط تجاهل متواصل لأكثر من 170 قراراً دولياً. المشروع الصهيوني، الممتد منذ نكبة 1948، يعود اليوم بثوب “السلام الاقتصادي”، لكن جوهره ما زال كما هو: طرد الفلسطينيين وفرض هوية استعمارية على الأرض والتاريخ.
هذا التهجير المُمنهج لا يجري فقط بالقوة العسكرية، بل عبر أدوات ناعمة تحمل أسماء براقة كـ”الفرصة الاقتصادية”، و”العبور الإنساني”، و”إعادة التأهيل”، لكن جوهرها يدور حول هندسة الخريطة الديموغرافية لفلسطين لصالح مشروع استيطاني يفرض سيادة الاحتلال على الأرض والإنسان معًا.
وفي ظل تصاعد العنف المدعوم سياسيًا، وتواطؤ بعض الأنظمة الإقليمية، تصبح المشاريع المعلنة من قِبل إسرائيل وأدواتها الاقتصادية غطاءً لـ”نكبة حديثة” بأدوات ما بعد حداثية: أنفاق، صناديق استثمار، ومراكز لوجستية، لكنها كلها تؤدي إلى نتيجة واحدة — إلغاء الوجود الفلسطيني كفاعل حيّ على أرضه.
الغريب في هذه المرحلة أن الاحتلال لم يعد مضطرًا لإخفاء نواياه. بل بات يعلنها جهارًا أمام العالم، من على منابر دولية، وبدعم بعض الأطراف التي تقدم نفسها كوسطاء سلام.
في النهاية، لا يمكن قراءة ما يحدث اليوم في غزة والضفة كوقائع منفصلة، بل كجزء من خطة مستمرة منذ 1948، تختلف في أدواتها ولكن تتوحد في هدفها: تحقيق تطهير ديموغرافي شامل يُنهي القضية الفلسطينية من جذورها، أو على الأقل، يُجمّدها في مخيمات ومعسكرات “إنسانية” بلا أفق، ولا عودة.