من بين الحروف العربية، يبقى للهمزة شأنٌ خاص، فهي أصغر الحروف شكلاً، لكنها أعقدها ضبطاً وأكثرها إثارة للجدل. وفي كتابه “مشكلة الهمزة العربية” الصادر عن مكتبة الخانجي،
يفتح الدكتور رمضان عبد التواب واحداً من أعمق الملفات اللغوية التي رافقت الكُتّاب والباحثين منذ قرون: إشكالية رسم الهمزة ومواضعها وقواعدها.
همزة بين الصوت والرسم
يبدأ المؤلف رحلته من الجذور التاريخية، موضحاً أن العرب في النقوش الأولى لم يلتزموا بكتابة الهمزة، ثم ما لبثت أن استقرت في العصور الإسلامية بأشكال متعددة، حتى تحولت إلى لغز إملائي يصعب على الطالب والكاتب إتقانه. فالهمزة، بوصفها صوتاً انفجارياً حنجرياً، تتأثر بحركات الفتح والضم والكسر، وتخضع لقواعد معقدة جعلت رسمها أكثر عسراً من غيرها.
مدارس وخلافات
يعرض عبد التواب آراء المدارس النحوية القديمة، من بصريين وكوفيين، في ضبط الهمزة وتسهيلها وقلبها وإسقاطها، ويكشف عن تباين كبير بينهم. ثم ينتقل إلى القواعد الحديثة المقررة في المدارس، لينتقدها باعتبارها زادت الأمر تعقيداً، فبدلاً من التيسير على المتعلمين أرهقتهم بوفرة التفاصيل والاشتراطات.
نحو إصلاح إملائي
الكتاب لا يكتفي بعرض الخلافات، بل يقدم رؤية إصلاحية تحاول الموازنة بين المحافظة على أصالة التراث والتيسير على الأجيال الجديدة. فالمؤلف يقترح قواعد عملية تسهم في إزالة الارتباك، وتجعل كتابة الهمزة أكثر وضوحاً وسلاسة، دون إخلال بجوهر اللغة.
أهمية الكتاب
يعالج قضية يومية يواجهها كل من يكتب بالعربية.
يكشف الخلفية التاريخية للمشكلة، ما يوضح أنها ليست وليدة العصر الحديث.
يقدّم حلولاً واقعية تربط بين العلم اللغوي وحاجات التعليم.
المؤلف: عالم اللغة المصلح
الدكتور رمضان عبد التواب (1930 – 2001) من أبرز علماء اللغة في القرن العشرين. درّس بجامعة عين شمس، وخلّف آثاراً علمية بارزة مثل: فقه اللغة، التطور اللغوي، المدخل إلى علم اللغة. تميّز بدعوته إلى تبسيط النحو والإملاء مع الحفاظ على أصالة العربية، فكان صوتاً إصلاحياً وسط جمود القواعد وتعقيداتها.
البُعد الثقافي
الهمزة هنا ليست مجرد علامة إملائية؛ إنها رمز لصراع أوسع بين أمانة التراث وحاجات الحاضر. والكتاب يفتح النقاش حول سؤال حضاري مهم: كيف يمكن للغة أن تحافظ على هويتها، وفي الوقت نفسه تظل سهلة ميسّرة لأبنائها؟
الهمزة العربية
كتاب “مشكلة الهمزة العربية” هو محاولة جادة لوضع النقاط على الحروف – أو بالأحرى على الهمزات – في قضية ظلت تؤرق الدارسين والكتّاب. إنه عمل يجمع بين الدقة العلمية والرؤية الإصلاحية، ويستحق أن يكون على مكتبة كل معلم، وباحث، وكاتب عربي.