تتسارع الأحداث وتتكشف التطورات على الساحة الفلسطينية والإقليمية، مع إعلان مصر عن بدء التحضيرات لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بالتزامن مع مساعٍ حثيثة للتوصل إلى هدنة دائمة أو مؤقتة في الساعات التي تسبق أي اتفاق محتمل، وقف إطلاق النار يبقى على طاولة النقاش بين الأطراف المعنية، وسط أسئلة حائرة عن مستقبل القطاع وإعادة بنائه، ودور ما بعد الاتفاق، خاصة مع وجود العديد من الأطراف داخليًا وخارجيًا التي ترغب في فرض نفوذها وشروطها
التحركات الفعلية للوصول إلى وقف إطلاق النار
تعود عمليات التهدئة إلى الأساس على جهود دبلوماسية مكثفة تشارك فيها مصر كراعي وساطة رئيسي، بالإضافة إلى طرفي النزاع الرئيسيين الكيان وفصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، فقد أطلقت القاهرة مبادرات سلام وعقدت عدة اجتماعات مع الأطراف المعنية لتحييد التصعيد العسكري والتوجه إلى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة على عدة مستويات السعي لوقف التعزيزات العسكرية وإدخال قوافل الإعانة الإنسانية إلى غزة تعتبر من العناصر الأساسية في المساعي المصرية، تضاف إلى ذلك اتصالات مع الدول الإقليمية الفاعلة كقطر وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة لتعزيز فرص النجاح ودفع الطرفين نحو وقف شامل لإطلاق النار
وفيما يتعلق بالأطراف الداخلية في غزة، فإن حماس والجهاد الإسلامي والسلطة الفلسطينية كلها جزء من المشهد، إذ تتفاعل بشكل مباشر مع جهود الوساطة، وتتخذ مواقف مرنة أحيانًا ومتشددة أحيانًا أخرى حسب تطورات الموقف على الأرض، بينما هناك جهود دولية لطرح مبادرات لوقف التصعيد وفتح باب المفاوضات السياسية.
أما على الصعيد الخارجي، فإن الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي يراقبون ويضغطون بشكل مكثف على الأطراف لتحقيق تهدئة تستوعب الحاجة الإنسانية، وتفتح الباب لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات
هل سيكون وقف إطلاق النار نهائي أم مجرد فترة لالتقاط الأنفاس؟
السؤال الأهم الذي يطرحه الجميع هو حول طبيعة وقف إطلاق النار هل هو مؤقت لوقف التصعيد فقط أم خطوة نحو حل دائم للأزمة يفتح الباب أمام عملية سياسية طويلة الأمد الإجابة تتوقف على مدى الالتزام بتنفيذ الشروط المسبقة، خاصة فيما يخص رفع الحصار وتسهيل عملية إدخال المواد الإنسانية وإعادة الإعمار بشكل فعلي وشفاف؟.
وفي الوقت ذاته، فإن الخبراء والمراقبون يشككون في إمكانية أن يكون وقف إطلاق النار نهائي بدون تفاهمات عميقة وتوافق إقليمي ودولي، مما يجعل الاحتمال الأكبر هو أن يكون خطوة أولى على طريق طويل يتطلب استمرار الضغط والمراقبة والمتابعة
دور حماس في غزة بعد وقف إطلاق النار وهل سيقبل الكيان إدارة حماس للقطاع
حماس ستظل اللاعب الأبرز في غزة بعد أي اتفاق توقفي محتمل، إذ أن دورها لا يقتصر على المقاومة فقط، بل يمتد إلى إدارة القطاع بشكل فعلي وهي المعنية بتنفيذ الاتفاقات والشروط المرتبطة بها إذا ما أُبرمت فهل ستقبل إسرائيل إدارة حماس للقطاع؟
هذا السؤال يظل مفتوحًا، حيث إن إسرائيل تركز على تفاهمات أمنية وسياسية تتعلق بضرورة ضبط الأمور في القطاع وضمان عدم تسلل عناصر من غزة لداخل إسرائيل، وإذا ما قبلت إسرائيل بمرونة أكبر فذلك يعتمد على مدى التزام حماس بشروط التهدئة وتنازلها عن بعض المطالب العسكرية والأمنية، وهو أمر مرهون بطبيعة التطورات السياسية والأمنية على الأرض.
الحصة الكبرى لإعادة الإعمار ستكون من نصيب من؟
أما عن إعادة إعمار غزة، فإن مصر تتجه نحو مؤتمر دولي يهدف إلى جمع التمويلات اللازمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب ووقف التصعيد، ومن المتوقع أن تكون الدول المانحة والمنظمات الدولية هي الحصان الأساسي في تمويل عملية الإعمار، حيث إن الحصة الأكبر ستكون من نصيب الدول التي تعهدت سابقًا بالمساهمة، خاصة في مجالات البنية التحتية والمشاريع الإنسانية وتوفير السكن والخدمات الأساسية والمساعدة في إعادة تأهيل القطاع اقتصادياً وبيئياً
هل محور داود مطروح على الطاولة؟
وفي سياق التحركات الإقليمية، تُثار دائمًا مسألة محور داود الذي يضم مجموعة من الدول المعنية بمسألة القدس والأمن في المنطقة، في ظل التهديدات المستمرة وعمليات التوتر، فهل هو مطروح على الطاولة كمحور من استراتيجيات المعالجة؟
حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة على أن محور داود يُدرج بشكل رسمي ضمن مباحثات التهدئة أو إعادة الإعمار، لكن من الممكن أن تكون هناك محادثات غير معلنة أو تفاهمات ضمنية حول استقرار القدس والمنطقة، خاصة وأن الملف الفلسطيني يمتد تأثيره إلى مجمل الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي “مصر تعمل على إعداد خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، وتحث كل الأطراف على التمسك بالمبادرات الحالية للتوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار.”
هذا التصريح يعكس الدور الحاسم لمصر كمحرك رئيسي في الوساطة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
بينما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هيلاري كلينتون”وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يكون بداية لمفاوضات سياسية تتناول الواقع المعقد وتؤدي إلى حل دائم يضمن حقوق الفلسطينيين والأمن الإسرائيلي.”
أما وزير خارجية الكيان السابق فقال: “نحن نبحث عن استقرار دائم لكن ذلك يتطلب نزع سلاح الجماعات المسلحة في غزة وضمان أمن إسرائيل بشكل دائم.”
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “السلام الدائم في غزة يتطلب استثماراً دولياً كبيراً وإعادة إعمار عاجلة، مع ضمانات حقيقية لحقوق الفلسطينيين.” ودعا إلى دعم المجتمع الدولي لعملية إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
أما ليلى خياط، خبيرة الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، قالت :”مستقبل غزة يتوقف على قدرة الفلسطينيين على إدارة مواردهم، وعلى مرونة الطرف الإسرائيلي في التعامل مع الشروط السياسية التي تضمن حقوق الفلسطينيين.”
ما الذي ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
إذا ما تبلورت شروط وقف النار، فإن أهم التساؤلات حول مدى استدامة الهدنة وما إذا كانت فرصة لالتقاط الأنفاس أو بداية لعملية سياسية شاملة، ويظل الملف الإنساني، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار من أبرز الملفات المطروحة، والتي تتوقف على تفاعل المجتمع الدولي والدول الكبرى، خاصة في ظل الدعم المالي المتوقع للمشاريع التنموية وإعادة البناء.