في مشهد يؤكد مكانة مصر كقبلة للعلم الشرعي ومنارة للفكر الوسطي الرشيد، انطلقت صباح اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025، فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء في فندق نايل ريتز كارلتون بالقاهرة، تحت شعار “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”.
ينظَّم المؤتمر تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبتنظيم من دار الإفتاء المصرية بالتعاون مع الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ويستمر حتى يوم غد الأربعاء 13 أغسطس 2025.
ويشارك في هذا الحدث أكثر من 70 دولة، فيما تشير بعض المصادر إلى وصول عدد الدول المشاركة إلى 90 دولة، تضم مفتين كبارًا، وعلماء شريعة، ووزراء، وخبراء في التكنولوجيا، وممثلين لمؤسسات إفتائية عالمية، في اجتماع يعكس وحدة الصف الإسلامي أمام تحديات العصر الرقمي.
تأتي هذه الدورة في وقت يشهد العالم فيه ثورة تقنية هائلة، يتصدرها الذكاء الاصطناعي، ما أفرز فرصًا وتحديات غير مسبوقة أمام المؤسسات الإفتائية.
الفتوى — باعتبارها بيانًا شرعيًا منضبطًا — تواجه اليوم سيلًا من المعلومات غير الموثوقة التي تنتشر عبر المنصات الرقمية، ومحاولات لاستخدام الخوارزميات لإنتاج نصوص دينية قد تحمل تحريفًا أو تحيزًا.
من هنا، يهدف المؤتمر إلى وضع ضوابط شرعية وأخلاقية صارمة لاستخدام التقنية في المجال الديني، والتأكيد على أن المرجع هو الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وأن أي وسيلة تقنية يجب أن تبقى خاضعة للمنهج الشرعي وليست بديلة عنه.
جاء المؤتمر ليحقق عدة أهداف مركزية، أبرزها:
مواجهة الانحرافات الفكرية ومحاولات العبث بالفتوى عبر الذكاء الاصطناعي.
تطوير آليات الإفتاء بما يواكب العصر ويحافظ على أصالة الشريعة.
تعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي لتوحيد الخطاب الإفتائي الرشيد.
إصدار وثيقة إفتائية شاملة تحدد الإطار الشرعي والأخلاقي للتعامل مع التقنية الحديثة.
ويناقش المؤتمر خمسة محاور رئيسية تمثل الإطار العلمي لهذه الدورة:
تحليل الأنماط الفقهية: توظيف الذكاء الاصطناعي في تتبع اتجاهات الفتاوى المعتبرة وتوثيقها بدقة.
التواصل الذكي: تطوير مهارات المفتي في إيصال الفتوى بلغة واضحة وعصرية دون المساس بجوهر الحكم الشرعي.
المحاكاة التدريبية: إعداد بيئات تفاعلية تحاكي المواقف الواقعية لتدريب المفتين.
كشف التحيز الخفي: رصد الانحرافات التي قد تحملها الخوارزميات إذا بُنيت على بيانات غير منضبطة شرعيًا.
شرعية المنهج لا الوسيلة: التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة خادمة للمنهج الشرعي، لا منتج للأحكام.
شهدت الجلسة الافتتاحية كلمات لعدد من كبار العلماء والمفتين، منهم:
الدكتور نظير عياد – مفتي الجمهورية المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
الدكتور أحمد الحسنات – مفتي الأردن.
الدكتور عمر حبتور الدرعي – رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية بالإمارات.
الدكتور فواز أحمد فاضل – مفتي ماليزيا.
الدكتور مبروك زيد الخير – رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر.
الدكتور يوسف بلمهدي – وزير الأوقاف الجزائري.
الدكتور أمانكلدي قوانيش – مفتي منغوليا.
مفتي القدس والديار الفلسطينية.
الدكتور مفتي عقيل الرحمن بيرزاده – مفتي إسلام آباد.
كما تشارك وفود من اليمن، الجزائر، فلسطين، باكستان، وغيرها، ما يعكس تنوع الخلفيات الثقافية والفقهية المشاركة.
اليوم الأول (12 أغسطس): افتتاح رسمي، عرض المحاور العلمية، جلسات رئيسية، ورش عمل حول الذكاء الاصطناعي في خدمة الفتوى.
اليوم الثاني (13 أغسطس): جلسات نقاشية، عرض التجارب الدولية، مناقشة التحديات الأخلاقية، وإعلان الوثيقة الإفتائية النهائية.
إلى جانب الجلسات، يُعرض فيلم وثائقي عن المؤتمر على منصة يوتيوب، مع تغطية مباشرة عبر حسابات دار الإفتاء الرسمية.
هذا المؤتمر ليس مجرد تجمع أكاديمي، بل هو خط دفاع شرعي لحماية الفتوى من التزييف والانحراف، ورسالة واضحة للعالم أن الأمة قادرة على التفاعل مع التطورات التقنية دون التفريط في ثوابتها.
كما يمثل منصة لتعزيز الفكر الوسطي الحقيقي، البعيد عن الغلو والتطرف، والمتماشي مع مقاصد الشريعة في تحقيق العدل والرحمة وحفظ الدين.
وبانطلاق هذه الدورة العاشرة، تؤكد مصر من جديد دورها القيادي في صياغة خطاب ديني منضبط، قادر على مواجهة التحديات الفكرية والتقنية التي يشهدها العصر الرقمي.