مصطفى عبد السلام يكتب: أبو تريكة وصندوق النقد

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة المصرية معركة بالغة الشراسة حول إعلان النجم المعتزل للمنتخب المصري والنادي الأهلي محمد أبو تريكة «الماجيكو»، تنتظر الحكومة في المقابل معركة شرسة أخرى مع صندوق النقد الدولي الذي يجتمع مجلسه التنفيذي في واشنطن يوم الاثنين المقبل 10 مارس الجاري للنظر في طلب مصر الإفراج عن الشريحة الرابعة من قرض بقيمة اجمالية 8 مليارات دولار، وهو الاجتماع الذي تأخر شهورا عدة لأسباب لا تزال غامضة على المصريين الذين يدفعون وحدهم أعباء تلك الديون الضخمة من ضرائبهم ودخولهم المتآكلة والمحدودة.

المعركة الأولى المتعلقة بنجم الكرة المحبوب لدى شريحة كبيرة من المصريين سهلة على أجهزة الدولة في مصر، فهي من هندستها ووافقت على مضمون الإعلان الخاص باستاد النادي الأهلي الجديد والمشاركين فيه ومنهم أبو تريكة، وتدير المعركة باحتراف شديد وستضع نهاية لها عندما تريد وفي الوقت الذي تحدده. لكن المعركة الثانية ليست سهلة على الإطلاق، وخيوط اللعبة وصناعة القرار في يد القابعين في مقر الصندوق في واشنطن، وربما في يد قاطني البيت الأبيض الجدد المتهورين.

وإذا كانت السلطات المسؤولة في مصر لديها الكثير لتخفيه في معركة النجم أبو تريكة المثيرة للجدل، خاصة الجهات التي تحرك المعركة وتقف خلف الأصوات المتشنجة والمتناقضة من هنا وهناك، فإنه على الجانب الآخر من المؤكد أولاً أن هناك ما تخفيه الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي عن المصريين بشأن تفاصيل المفاوضات الجارية حول الشريحة الرابعة لمصر من القرض والبالغة قيمتها 1.2 مليار دولار، وكذا الحصول على تمويل إضافي جديد بقيمة 1.3 مليار دولار ضمن برنامج الصلابة والاستدامة التابع للصندوق.

خلافات حادة بين الحكومة المصرية والصندوق

والمؤكد ثانيا أن هناك خلافات حادة بين الطرفين، الحكومة المصرية والصندوق، وهو ما يترجمه التأخر في صرف الشريحة الرابعة والقرض التكميلي عدة شهور، وقبلها تأخر الصندوق في إرسال بعثة فنية للقاهرة لإجراء المراجعة الرابعة حيث كان مقرراً أن تصل نهاية شهر سبتمبر الماضي، لكن الزيارة تأخرت إلى بداية نوفمبر 2024، رغم الإعلان عن قرب وصولها من قبل وزارة المالية المصرية عدة مرات، والإعلان كذلك عن قرب وصول الشريحة الرابعة التي لم تصل بعد.

والمؤكد ثالثاً أن سيرة الصندوق تسبب حساسية لكل المصريين، فما إن تأتي سيرته وأخبار مفاوضاته وبعثته الفنية ومندوبه الدائم المقيم في القاهرة حتى يضع المواطن يده على قلبه خوفا من المفاجآت غير السارة التي تصدمه مع صرف كل شريحة من الشرائح الثماني للقرض.

صندوق النقد لا يحمل أي بادرة إيجابية

فتاريخ المواطن مع صندوق النقد والممتد منذ أكتوبر 2016 وإلى أن يشاء الله لا يحمل أي بادرة إيجابية أو خبر سار، بل يحمل معه عواصف اقتصادية وأزمات اجتماعية ونفسية وخطط تقشف وتضخم وتعويمات متواصلة للجنيه المصري مع تهاوي سعره، واضطرابات عنيفة في سوق الصرف الأجنبي، وغلاء وزيادات قياسية ومتواصلة في أسعار السلع الرئيسية والضرائب بما فيها رغيف الخبز والوقود، وخفضا متواصلا في قيمة الدعم الحكومي، وبيعا لأصول الدولة والشركات العامة، وتدخل الدائنين في قرارات الدولة الاقتصادية وتحديد أوجه إنفاق الموازنة العامة والمخصصات العامة، بل وتهديد الأمن الاقتصادي للدولة عبر التسبب في حدوث اضطرابات اجتماعية من وقت لآخر، والقضاء على الطبقة الوسطى، ورهن مقدرات الدولة للدائنين الدوليين، ومعها تآكل مدخرات المصريين والقضاء على الثروات والأصول الخاصة.

اشتعال معركة أبو تريكة

ومع اشتعال معركة أبو تريكة في القاهرة ومعركة الصندوق في واشنطن، فإن المصريين يضعون أصابع أيديهم العشر على قلوبهم خوفاً من أن يخرجوا من المعركتين بخفض جديد للجنيه مقابل الدولار، وزيادات قياسية في قيمة فواتير المنافع العامة مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات والمواصلات من مترو الأنفاق والقطارات والمرور ورسوم الشهر العقاري والسجل المدني والجوازات وغيرها من الخدمات الحكومية، وزيادات جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي.

الانسحاب من أنشطة حيوية

إضافة إلى خطوات أخرى منها بيع مزيد من أصول الدولة والقطاعات الاستراتيجية، وتقليص حصة الدولة في الاقتصاد والانسحاب من أنشطة حيوية تتعلق بخدمات المواطن لصالح الأجانب، وخصخصة مزيد من أصول قطاعي التعليم والصحة مثل الجامعات والمستشفيات الخاصة وبيعها للقطاع الخاص العربي والأجنبي، والبدء في بيع المطارات والموانئ للمستثمرين الأجانب ومن بينها مطار القاهرة الدولي، والإسراع في بيع المصارف وفي المقدمة بنوك القاهرة والمصرف المتحد والعربي الأفريقي الدولي والتعمير والإسكان، وربما يتم في وقت لاحق إدراج أكبر بنكين في مصر ضمن خطط الطرح.

يضاف إلى كل ذلك تسبب سياسات صندوق النقد الدولي، والتي تم بموجبها منح مصر قروضا تزيد قيمتها عن 23 مليار دولار في أقل من عشرة سنوات، في تفاقم أزمة الدين العام سواء المحلي أو الخارجي عبر زيادة البنك المركزي سعر الفائدة على الجنيه لمكافحة التضخم الجامح أو الإبقاء على الفائدة عند مستويات عالية للحيلولة دون هروب الأموال الساخنة من الدولة والتي باتت تمثل أحد أبرز مقومات استقرار سوق الصرف الأجنبي وبقاء سعر الجنيه عند مستويات شبه مستقرة.

معارك وهمية أشد شراسة

الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت بالنسبة للمصريين، وقد نشهد معارك وهمية أشد شراسة وإطلاق “عصافير” أكثر طرافة في الفترة المقبلة لصرف الأنظار عن بعض الإجراءات التقشفية التي سيتم تطبيقها بحق المواطن لانتزاع موافقة الصندوق على صرف الشريحة الرابعة والقرض التكميلي، يتكرر السيناريو مع صرف الشرائح الأربع الأخرى المتبقية من القرض البالغة مدته 46 شهرا.

وربما تأتي حزمة الدعم والإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة قبل أيام لتخفف من نتائج قرارات التقشف المتوقع الاتفاق عليها مع صندوق النقد والتي يصاحبها عادة تضخم جامح وزيادة حادة في الأسعار واضطرابات في الأسواق، حيث أطلقت الحكومة حزمة اجتماعية جديدة لدعم الفئات المتضررة من ارتفاع الأسعار بقيمة 200 مليار جنيه، أي نحو 4 مليارات دولار، في العام المالي الجديد 2025-2026 الذي يبدأ من الأول من شهر يوليو المقبل، وتتضمن رفع الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة إلى 7 آلاف جنيه شهرياً، بالإضافة إلى زيادة المعاشات، والدعم النقدي للمستفيدين من برنامج تكافل وكرامة بنسبة 25%، ودعم للمزارعين والفئات الأكثر احتياجاً.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights