مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: أطفئوا نار فتنة الدولار أولاً

يوم الثلاثاء الماضي خرج علينا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بأرقام تتعلق بالطروحات الحكومية وتنشيط الاستثمار، وتنمية القطاع الصناعي، كما تحدث عن ضوابط الاقتراض الخارجي وغيرها، وذلك خلال مؤتمر صحفي خصص معظمه للحديث عن برنامج بيع أصول الدولة.

لكن ما استوقفني في المؤتمر رقمان، الأول يتعلق بالحديث عن خطط الحكومة لزيادة حصيلة الإيرادات الدولارية بنحو 70 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لتصل إلى 191 مليار دولار بحلول 2026.

والثاني عن نجاح الحكومة في جذب استثمارات خارجية مباشرة بقيمة 11.4 مليار دولار في العام المالي 2022-2023 مقابل 5.2 مليارات دولار في العام الذي سبقه، وأن مصر ثاني الدول الإفريقية جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد جنوب أفريقيا.

وكلا الرقمين بينهما رابط، إذ إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة أحد أبرز إيرادات النقد الأجنبي للدولة المصرية، وإن جزءا مما تم جذبه من استثمارات مباشرة في العام المالي الأخير كان في صورة بيع أصول وشركات وبنوك، وليس استثمارات مباشرة تم توجيهها لإقامة مشروعات صناعية وإنتاجية وتصديرية وسياحية جديدة وفرت فرص عمل جديدة، ورفعت من رقم الصادرات الخارجية، وساهمت في تغطية احتياجات الأسواق المحلية.

بالنسبة للرقم الأول والمتعلق بالإيرادات الدولارية تحدث مدبولي عن خطط حكومية لإحداث طفرة في عوائد الأنشطة الرئيسية، وأبرزها الصادرات والسياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج والاستثمارات المباشرة وخدمات التعهيد.

وقال إن معدل النمو المستهدف للقطاعات المستهدفة يتراوح ما بين 10% و20%، وأن الإيرادات ستقفز إلى 191 مليار دولار مقابل نحو 120 مليار دولار حاليا.

بالطبع فإن رقما كهذا، إن تحقق، يمكن أن يحل أزمة مصر المالية، ويسد الفجوة التمويلية، ويدعم العملة المحلية ويقضي على السوق السوداء، خاصة إذا ما صاحبها وضع قيود شديدة على الاستدانة الخارجية، والحد من واردات السلع والخدمات التي لها مثيل محلي، ووقف السفه الحكومي في الإنفاق.

لكن ما لم يقله لنا رئيس الوزراء: كيف تتحقق هذه الأهداف الكبيرة وأبرزها زيادة الإيرادات 70 مليار دولار في غضون 3 سنوات فقط، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد المصري من اضطراب سوق الصرف، وفجوة تمويلية تقدر بنحو 17 مليار دولار سنويا، ووجود أكثر من سعر للعملة، مع اعتماد جزء من المستثمرين والتجار على السوق السوداء في تلبية احتياجاتهم الدولارية.

وكيف يتحقق ذلك في ظل تضخم مرتفع تجاوز 41% الشهر الماضي، وقيود على عمليات الاستيراد بما فيها السلع الوسيطة والمواد الخام، وندرة في النقد الأجنبي خاصة المخصصة لتمويل واردات سلع رئيسية، وزيادة أعباء الدين الخارجي عاما بعد آخر، وزيادة الضرائب والرسوم وأعباء التمويل، ورفع كلفة الإنتاج.

نعم، هناك فرص كبيرة أمام الحكومة لإحداث قفزة في عدد السياحة والوصول بإيراداتها إلى 20 مليار دولار وبنسبة نمو 20%، هذا هدف سهل تحقيقه.

لكن لا ننسى أن تحقيق الهدف قد تحد منه ظروف خارجية منها استمرار حرب أوكرانيا، وما أسفرت عنه من تراجع حاد في السياح الروس والأوكران المتدفقين إلى مصر، وكذا إصابة الاقتصاد الأوروبي بحالة ركود وتضخم عالية، وهو ما يؤثر سلبا على حجم إنفاق السياح الأوروبيين في الخارج.

يمكن أن تعوض مصر تلك التحديات عبر التركيز على السياح الخليجيين والعرب والأتراك والإيرانيين وسياح دول جنوب شرق آسيا، وبعض هؤلاء لديهم قدرة عالية على الإنفاق، خاصة سياح الدول النفطية.

تحقيق هدف زيادة إيرادات مصر إلى 191 مليار دولار في غضون 3 سنوات فقط يتطلب سوق صرف مستقر، لأن الاضطرابات الحالية في سوق النقد الأجنبي، ورهان المستثمرين الخارجيين على التعويم المتواصل للجنيه تؤثر سلبا على مناخ الاستثمار.

فالمستثمر لا يضخ أموالا في دولة يعرف أنه قد يفقد فيها نصف قيمة استثماراته خلال عام، كما حدث مع العملة المصرية التي فقدت أكثر من 50% من قيمتها في فترة زمنية لا تتجاوز العام.

كما أن اضطراب سوق الصرف يؤثر سلبا على تحويلات المصريين بالخارج التي يراهن مدبولي على الوصول بقيمتها إلى 45 مليار دولار في العام 2026 بنسبة نمو 10% سنويا، والقفز بعائدات الاستثمار الأجنبي المباشر المستهدفة إلى 13 مليار دولار بنسبة نمو 10%، وبإيرادات قناة السويس إلى 17 مليار دولار بنسبة نمو 10%، وبخدمات التعهيد إلى 9 مليارات دولار بنسبة نمو 10%.

وفي حال حدوث ندرة في النقد الأجنبي، فإن القطاع الصناعي والإنتاجي يتعرض لضغوط كما يحدث حاليا، وهو ما يؤثر على حصيلة الصادرات السلعية التي يقول مدبولي إن حكومته تستهدف زيادتها إلى 88 مليار دولار في 2026 بنسبة نمو 20% سنويا.

في كل الأحوال فإنه إذا كانت الحكومة المصرية جادة في تحقيق هدف الوصول إلى رقم 191 مليار دولار، فعليها العمل أولا وفورا على هدف أساسي هو دعم استقرار سوق الصرف، والقضاء على السوق السوداء للعملة، والحيلولة دون حدوث تعويم للجنيه خلال فترات قصيرة.

أطفئوا نار فتنة الدولار والسوق السوداء والدين الخارجي الذي تجاوز 165 مليار دولار أولا، قبل الحديث عن أي أرقام طموحة سواء تعلقت بمعدل النمو أو زيادة الموارد الدولارية.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى