مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: إثيوبيا على أبواب صندوق النقد الدولي

إقدام إثيوبيا اليوم الاثنين على تعويم عملتها الوطنية، البير، وخفض قيمتها بنسبة 30%، وتخفيف القيود على نظام الصرف الأجنبي، ليس بالأمر المفاجئ أو الصادم بالنسبة للكثير من متابعي الشأن الإثيوبي وحالة الاقتصاد المتردية في السنوات الأخيرة.

فقد سبق قرار التعويم مؤشرات تؤكد كلها أن الدولة تشهد أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وأنها في طريقها للانضمام إلى الدول المتعثرة وربما المفلسة في وقت لاحق والواقفين على أبواب صندوق النقد الدولي إذا ظلت الأمور على حالها، وأنها في الطريق للانضمام إلى قائمة تحوي أسماء دول عدة لجأت للصندوق والدائنين الدوليين لإنقاذها من فخ الإفلاس والمخاطر المالية والاقتصادية المتنامية.

فالدولة الواقعة في القرن الأفريقي وتتباهى بأنها بَنَت واحد من أكبر السدود المائية في العالم، تعاني زيادة أعباء ديون خارجية تتجاوز قيمتها 28 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم قياساً إلى إيرادات الدولة الدولارية الضعيفة، وانتشاراً كبيراً للسوق السوداء للعملة.

كما تعاني من موجة غلاء وارتفاع كبير في معدلات التضخم والبطالة والفقر وانخفاض الإنتاج، ونقص حاد في العملات الأجنبية، وتشوهات في سوق الصرف الأجنبي، وعجز كبير في ميزان المدفوعات الهيكلي، وكان من نتاج تلك الأزمات التخلف عن سداد ديونها الخارجية نهاية العام الماضي وخفض التصنيف الائتماني للدولة.

هناك أسباب عدة وراء هذا التدهور الاقتصادي من أبرزها زيادة المخاطر الجيوسياسية وغياب الاستقرار السياسي، فالدولة شهدت نزاعات مسلّحة في السنوات الأخيرة، واندلاع حرب أهلية شرسة في منطقة تيغراي الشمالية كان من نتاجها هروب السياح والمستثمرين الأجانب وتدهور معنويات المستثمرين المحليين وتهاوي النمو الاقتصادي وزيادة الإنفاق العسكري، ومنذ سنوات كانت هناك قلاقل شديدة في “أورومو”، الإقليم الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، واشتباكات مسلحة في إقليم أمهرة.

لكن واحداً من الأسباب الأبرز لتلك الحالة الاقتصادية المتردية هو بناء إثيوبيا سد النهضة بما يفوق إمكانات الدولة المالية وقدرتها على سداد الأعباء والقروض المخصصة لتمويل كلفة تشييد السد الذي يصنف على أنه أكبر محطة لإنتاج الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، والبالغة نحو 4.8 مليارات دولار.

وهناك تقديرات أن ترتفع التكلفة إلى ثمانية مليارات دولار في نهاية إنجاز المشروع مع تأخر عملية التنفيذ سنوات، وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في فبراير 2020، فقد أنفقت إثيوبيا ستة مليارات دولار في سد النهضة لتأخر أعمال البناء ثلاث سنوات إضافية. وهذه التكلفة مثلت ضغطاً شديداً على موازنة الدولة الفقيرة وقطاعها المصرفي وسوق الصرف والمواطن في الداخل أو الخارج.

هذا التردي دفع إثيوبيا إلى التعثر عن سداد عوائد سندات دولية بقيمة 33 مليون دولار كانت مستحقة في ديسمبر الماضي، والتقدم بطلب لإعادة هيكلة الديون، كما دفع الحكومة إلى سرعة الارتماء في حضن الدائنين الدوليين والتفاوض معهم بشأن الحصول على قرض ضخم، حيث من المقرر أن تحصل إثيوبيا على 10.7 مليارات دولار من صندوق النقد والبنك الدوليين ودائنين آخرين.

إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، باتت على موعد مع سنوات من الاضطرابات المالية، وغلاء في المعيشة وزيادات قياسية في الأسعار وموجات تضخم متواصلة مع رفع الدعم عن السلع والخدمات الرئيسية. والمواطن هو من يدفع ثمن مغامرات حكومة أرادت أن تلعب دوراً إقليمياً ودولياً أكبر من قدرات الدولة.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى