مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: إعادة إعمار غزة

تتباين التقديرات المتعلقة بكلفة إعادة إعمار غزة في ما خص ما هدمته حرب الإبادة الإسرائيلية، فهناك من يقدرها بأكثر من 80 مليار دولار، وفق مؤسسات عدة منها “راند” البحثية الأميركية ووكالة بلومبيرغ، في حين تتراجع التقديرات لدى مؤسسات أخرى إلى 50 مليار دولار، يرتفع الرقم إذا ما أخذنا في الاعتبار الخسائر غير المباشرة مثل فقدان سوق العمل آلاف العمال والخبرات البشرية الذين استشهدوا خلال فترة الحرب.

وبغض النظر عن التقديرات المتباينة يظل مشروع إعادة إعمار غزة هو التحدي الأصعب والمهمة الشاقة أمام الجميع، حكومة القطاع وأهالي غزة أولاً، والمجتمع العربي والدولي ثانياً، وقبلها أمام دولة الاحتلال التي يجب أن تتحمل تلك التكلفة، حيث إنها من خلقت كل هذا الدمار الواسع والخراب الكبير، فقد سوّت غزة بالأرض وحولت مبانيها إلى قطع من الركام، وعليها أن تسهل دخول معدات ومواد البناء كالحديد والإسمنت وغيرها.

وقبل التطرق إلى آليات تنفيذ مشروع إعادة إعمار غزة يجب الإجابة أولاً عن عدة أسئلة ملحة، الأول، من يتحمل تلك التكاليف المليارية في ظل الوضع المعيشي والمالي الصعب والبائس الذي يعانيه سكان غزة؟ فخلال فترة الحرب فقدوا ثرواتهم ومدخراتهم وأراضيهم الزراعية، وغيرها من الأصول مثل المصانع والورش والشركات والبنوك، وتمت تسوية عقاراتهم ومحالهم التجارية وأسواقهم التجارية بالأرض، ولم يتبقَّ حتى النزر البسيط من الأموال الكافية لشراء الاحتياجات الرئيسية وتقيهم مخاطر الجوع والعطش والمرض والظلام.

من أين يأتي الغزاوية بكلفة إعمار ما هدمته الحرب؟

وهنا نسأل: من أين يأتي أهالي غزة بكلفة إعمار ما هدمته الحرب؟ علماً أن الأرقام تشير إلى أن أكثر من 70% من مساكن ومباني القطاع تضررت كلياً وجزئياً، أي أكثر من 170 ألف مبنى، وأنه حسب تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة العام الماضي، فإن إعادة بناء المنازل المدمرة في غزة سوف تستغرق على الأقل حتى عام 2040، وقد تستمر لعقود عديدة.

وإذا افترضنا أن أهالي غزة يتحملون جزءاً من كلفة إعادة بناء منازلهم المهدمة أو كلها مستقبلاً، فمن يتحمل كلفة إعادة بناء البنية التحتية التي هدمها الاحتلال بالكامل من طرق وكباري وشوارع وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي ومدارس ومستشفيات وجامعات ومصانع؟ ومن سيتحمل تكلفة إزالة الركام والأنقاض التي تزيد على 700 مليون دولار وتستغرق سنوات، خاصة أن الحرب خلّفت 42 مليون طن من الأنقاض، وهو ما يكفي لملء ما يزيد على 1.3 مليون شاحنة؟

القطاع الخاص الفلسطيني أفلس تماماً

وهل القطاع الخاص الفلسطيني، الذي أفلس تماماً وتعثر مالياً بسبب أعباء الحرب التي قصمت ظهره، قادر على القيام بتلك المهمة الصعبة سواء على مستوى التكلفة أو حتى توفير المعدات وشركات البناء والتشييد؟ وحتى لو لجأ ذلك القطاع إلى المؤسسات المالية الدولية للحصول على قروض لتمويل مشروعات التعمير، فهل يتم السماح له أم وضع العراقيل؟

ومع صعوبة تمرير مشروع إعادة اعمار غزة عبر الجانب الفلسطيني، فإن السؤال: هل بات الرهان على المجتمع العربي، أم الدولي الذي تواطأ مع الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية التي شنها على مدى ما يقرب من 16 شهراً. وعربياً: هل الرهان لا يزال على المال الخليجي والذي ساند بعضه دولة الاحتلال خلال فترة حربها المجنونة على غزة عبر توفير كل السلع والخدمات لأسواق إسرائيل ومصانعها، أم يبقى الرهان على الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي أمدت جيش الاحتلال بترسانة السلاح التي سوّت غزة بالأرض؟

إعادة اعمار غزة تظل مهمة صعبة ومعقدة ما لم تسارع دول العالم إلى تحمل الجزء الأكبر من التكلفة الضخمة، والدول التي مولت الدمار والحرب يجب أن تتحمل أيضاً كلفة الإعمار والتنمية، وترك غزة على حالها قد يفتح الباب أمام مخاطر كثيرة.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights