مصطفى عبد السلام يكتب: اقتصادي على رأس وزارة الدفاع!
أن يتولى رجل اقتصاد رئاسة حكومة أو رئاسة وزارات خدمية ومالية واقتصادية واستثمارية أو حتى رئاسة دولة فهذا أمر مقبول ومنطقي وتكرر كثيراً في العديد من دول العالم، بخاصة إذا ما كانت الدولة تسعى لتعظيم الإيرادات العامة، وإدارة مواردها بكفاءة، والاستفادة من الموارد المتاحة، وتقوية الاقتصاد والعملة المحلية، وتعظيم الإنتاج والحد من الواردات ومكافحة الغلاء وخلق فرص عمل وتحقيق دولة الرفاه للمواطن.
وهناك مليارديرات قادوا دولهم في فترات سابقة وربما حساسة كما جرى في الولايات المتحدة “دونالد ترامب وغيره”، إيطاليا ” سيلڤيو برلسكوني” وغيرها مثل دول التشيك وتشيلي وجورجيا والمغرب ولبنان وغيرها.
وأن يتولى رئيس شركة أو مؤسسة مالية وزارة مهمة حتى لو كانت سيادية كما حدث مع رئيس عملاق النفط، شركة أكسون موبيل، ريكس تيلرسون، الذي عيّنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وزيرا للخارجية في العام 2016 ثم أقاله في العام 2017 بسبب خلافات بين الرجلين، فهو أمر غير مستبعد ولا يبدو غريباً، لكن أن يتم تعيين رجل اقتصاد وزيرا للدفاع، فهو أمر ملفت جدا ويستحق الدراسة والتأمل للتعرف على الخلفيات، وما إذا الرجل سيضيف لهذا المنصب الحساس أم لا.
أمس الأحد، أصدر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تسلم ولايته الخامسة، قرارا بتعيين الخبير الاقتصادي أندريه بيلاوسوف وزيرا للدفاع في مرحلة حساسة بالنسبة لروسيا التي تخوض حرباً شرسة في أوكرانيا منذ شهر فبراير/شباط 2022، ومواجهات مع الولايات المتحدة وأوروبا، ومحاولات مستميتة من بوتين لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي الغابرة، وتحويل بلاده إلى قوة سيادية في مواجهة الغرب.
قرار بوتين أثار انتباه الغرب قبل الداخل الروسي، خاصة وأنه جاء بشكل مفاجئ وبلا مقدمات، فماذا ستفعل شخصية مدنية ليست لديها أي خلفية عسكرية في وزارة الدفاع الروسية؟
ما مغزى بوتين من هذا الاختيار المثير للجدل؟ وهل صحيح أن بوتين راغب في إدارة وزارة الدفاع مباشرة، ولذا اختار لها شخصية مدنية يمكن السيطرة عليها؟
صحيح أنّ أندريه بيلاوسوف تولى منصب نائب رئيس الحكومة الروسية، لكنّ هذا المنصب لن يؤهله لإدارة مثل هذه الوزارة الحساسة، وقد لا يؤهله للدخول في صراع مع شخصيات عسكرية كانت تتطلع للفوز بمنصب وزير الدفاع بعدما أقال بوتين الوزير سيرغي شويغو وعيّنه أميناً عاماً لمجلس الأمن القومي، وأمر باعتقال نائب وزير الدفاع، تيمور إيفانوف، بتهمة تقاضي رشوة.
اختيار تكنوقراط ومدني من ذوي الخبرات الاقتصادية مسؤولا عن وزارة الدفاع قد يبعث بعدة رسائل للداخل والخارج منها رغبة بوتين في تطوير الصناعة العسكرية الروسية، وإحياء روح الابتكار داخلها وتنشيط الاقتصاد الرقمي، وزيادة صفقات بيع السلاح، وضبط الإنفاق العسكري القياسي والمتزايد والبالغ حالياً 10.8 تريليون روبل (118.5 مليار دولار)، وإدارة الموازنة العسكرية الضخمة بكفاءة، والفصل بين الشقين الاقتصادي والعسكري داخل وزارة الدفاع، ومكافحة الفساد المستشري داخل الوزارة الحساسة وتنظيفها من الرشى والأعمال غير المشروعة وسوء الإدارة.
وربما إجراء عملية تطهير شاملة بواحدة من أهم وزارات الدفاع في العالم، مع تحسين أحوال العاملين في الوزارة المالية والمعيشية بما فيها خدمة السكن والخدمات الطبية والتقاعدية، وإعطاء أولوية لقضايا الرعاية الاجتماعية للجنود المشاركين في حرب أوكرانيا، وتكرار التجربة الغربية في تولي شخصية مدنية وزارة الدفاع، على أن يتولى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية المهام العسكرية كاملة.
فهل ينجح الخبير الاقتصادي أندريه بيلاوسوف في مهمته داخل وزارة الدفاع، أم أن الفساد الذي يعشش بداخلها أقوى من أن يتم محاربته بنظريات اقتصادية وفكر مالي وإدارة محترفة؟