مصطفى عبد السلام يكتب: الاقتصاد الإسرائيلي والحصاد المر
على مدى 35 يومًا تلقى الاقتصاد الإسرائيلي ضربات موجعة وخسائر فادحة لم يتعرض لها من قبل، عمقت عجز الموازنة العامة، ورفعت الأعباء المالية، وقربت الاقتصاد بسرعة من حالة الركود الكبير وربما الكساد.
امتدت الضربات لكل القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ولم تتوقف على تكاليف الحرب المباشرة وغير المباشرة، بل طاولت مشاريع التطبيع والصادرات الدفاعية وشركات التقنية وصناعات التكنولوجيا المتقدمة، وهي القطاعات التي كانت تراهن عليها دولة الاحتلال في جذب مزيد من استثمارات الشركات متعددة الجنسيات وتوطين تلك الصناعات.
1 – سمعة الاقتصاد الإسرائيلي والثقة به
أبرز وأخطر تلك الخسائر ما يتعلق بمخاطر السمعة والغموض وزيادة حالة عدم اليقين، فإسرائيل لم تعد صاحبة فرص الاستثمار الجذابة للمستثمرين الدوليين في ظل تلك المخاطر الجيوسياسية والأمنية غير المسبوقة، والتي تمر بها منذ شهر، ولم تعد واحة الاستقرار والأمان كما تزعم حكومات دولة الاحتلال.
كما أنها لم تعد الدولة الأكثر ربحية في منطقة الشرق الأوسط مع هروب المستثمرين وتخلصهم من الأصول الإسرائيلية بكثافة، بما فيها السندات والأسهم والودائع المصرفية، وفي ظل تهاوي العملة، وتعمق ظاهرة “الدولرة” وتهريب الأموال للخارج، ولم تعد الوسيط الآمن أو المحتمل في نقل صادرات الدول الآسيوية وبعض دول الخليج لأوروبا، ولم تعد سنغافورة وهونغ كونغ الشرق الجديدة.
فمستقبل الدولة بات مهدداً، والأمل والثقة عادا لأعداء إسرائيل بعد ضربة 7 أكتوبر الموجعة، والدولة التي كانت تتفاخر بأنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان باتت دولة عسكرية وقمعية بامتياز، والجزء الأكبر من إيرادات الدولة بات يخصص لدعم المجهود الحربي، وليس لدعم النمو ومكافحة الفقر والبطالة داخل المجتمع.
2 – انحسار الصناعات الدفاعية والصادرات الإسرائيلية
ثاني تلك الخسائر ما يتعلق بمستقبل الصناعات الدفاعية الإسرائيلية بشكل عام والصادرات على نحو خاص، في ظل مقاطعة عالمية متوقعة وواسعة للسلع الإسرائيلية، بسبب الحرب على غزة التي أثارت الرأي العام العالمي، ورفعت مشاعر معاداة إسرائيل في جميع أنحاء العالم مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة والقصف الإسرائيلي المكثف على المدنيين وضخامة عدد الشهداء والمصابين من الأطفال والسيدات.
كما أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية، والتي تجاوزت قيمتها 12 مليار دولار العام الماضي، ذهب ربعها لدول الخليج، تعرضت لضربة قاضية في ظل إلحاق أسلحة المقاومة الفلسطينية بها ضربات موجعة، سواء لنظام القبة الحديدة أو أسلحة أخرى منها المدرعة النمر، ناقلة الجنود، والطائرات المسيرة والدبابات التي سقطت بفعل أسلحة المقاومة وغيرها.
وبات العالم يسمع أكثر عن أسلحة المقاومة، ومنها طوربيد العاصف وصاروخ الكورنيت وصاروخ متبّر1 ومنظومة رجوم وعبوات العمل الفدائي وما رافقها من الحديث عن المسافة صفر، والبنادق الهجومية والرشاشات الثقيلة والقذائف الصاروخية والأسلحة المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص بعيدة المدى.
في المقابل، بات الكثيرون حول العالم يتابعون جرائم جيش الاحتلال عبر استخدام الأسلحة المحرمة في الهجوم على غزة، ومنها الفوسفور الأبيض وقنابل جدام الذكية والقنابل الفراغية وقنابل هالبر والأسلحة المجهولة الفتاكة وغيرها. ببساطة من المتوقع أن تفقد صادرات الأسلحة الإسرائيلية بريقها.
يُضاف إلى ذلك أن الشلل الذي أصاب الحياة الاقتصادية في دولة الاحتلال من المتوقع أن يؤثر سلباً في الصادرات الإسرائيلية الكلية، والتي تجاوزت قيمتها 160 مليار دولار في العام الماضي مع استمرار المقاطعة في العديد من دول العالم سواء لسلع ومنتجات إسرائيل أو الدول الداعمة لها، واستمرار استدعاء 360 ألفاً من جنود الاحتياط، وهو ما أثر سلبا على سوق العمل والأيدي العاملة المتاحة لأنشطة الإنتاج والموقع الخدمية.
3 – تدهور الشيكل وأسواق المال الإسرائيلية
ثالث تلك الخسائر يتعلق بما جرى في أسواق المال، فقد تهاوى الشيكل رغم ضخ البنك المركزي الإسرائيلي 45 مليار دولار في الأسواق لوقف ذلك التهاوي، وتهاوت البورصة وخسرت ما يزيد عن 25 مليار دولار من قيمتها السوقية، وتراجع مؤشر Tase35 لبورصة تل أبيب بنسبة 15%، فيما تراجعت أسهم بعض الشركات فيه بأكثر من 35%، وخسرت أسهم المصارف الكبرى 20% من قيمتها.
4 – ضرب القطاعات الحيوية الإسرائيلية
رابع الخسائر ما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية الحيوية، فقطاع السياحة تهاوى بشدة، وتلقى ضربة موجعة، فأحدث الأرقام تشير إلى تراجع حركة السياحة بإسرائيل في أكتوبر الماضي، بنسبة 76%، بسبب اندلاع الحرب على غزة. وإلغاء 80% من رحلات مطار بن غوريون مع تساقط صواريخ المقاومة على تل أبيب والمطار، وألغت معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها من وإلى تل أبيب، وسط ارتفاع حاد في أقساط التأمين لشركات الطيران.
5 – انكماش الاقتصاد الكلي الإسرائيلي
خامس تلك الخسائر تتعلق بخسائر الاقتصاد الكلي، فالاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11%، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع طول أمد الحرب على غزة.
فهناك كلفة ضخمة للحرب، فوفق تقديرات إسرائيلية أولية، فإن الحرب على غزة ستكلف ميزانية الدولة 200 مليار شيكل (51 مليار دولار)، أي حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ ضخم مقارنة بكلفة الحروب والأزمات السابقة، ومنها مواجهة جائحة كورونا، وهناك خسائر فادحة لحقت بقطاع الطاقة وتصدير الغاز، وهو مورد مهم للنقد الأجنبي، وهناك شلل في قطاع التسويق والترفيه والتجارة،
فالناس في إسرائيل لا يخرجون الآن لتناول الطعام أو التسوق، وأصبحت الحرب تهدد المشهد التجاري المباشر فحسب، بل تهدد أيضًا الاستقرار الاقتصادي العام لإسرائيل.
لقد وضعت الحرب صناعة التقنية الإسرائيلية أمام مشكلة كبرى، مع خسارة القوى العاملة وارتفاع كلفة التمويل ومقاطعة منتجاتها عالمياً وهروب الاستثمارات الأجنبية وتعطل الاستثمارات الجديدة. وأدّت الحرب إلى تعطيل نسبة عالية من القوى العاملة في المؤسسات والشركات الإسرائيلية وانقطاع سلاسل التوريد، والأرقام تشير إلى أن 764 ألف إسرائيلي عاطل من العمل بسبب الحرب.
كما وضعت الحرب الاقتصاد الإسرائيلي في مأزق سيلازمه سنوات طويلة، خاصة مع طول أمد الحرب وزيادة المخاطر الأمنية وفشل دولة الاحتلال في تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي.