مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: الانسحاب من إسرائيل.. ماذا لو فعلها الصندوق النرويجي؟

 

منذ اندلاع الحرب على غزة والاستثمارات الأجنبية تفر بشكل جماعي من إسرائيل، إما بسبب المخاطر المتزايدة سواء كانت جيوسياسية وأمنية واقتصادية، أو بسبب الخوف من أن تطاول تلك الاستثمارات يد المقاطعة الشعبية التي اتسعت رقعتها حول العالم وباتت تهدد علامات تجارية كبرى أعلنت عن دعمها للاحتلال في حربه الإجرامية مثل ماكدونالد وكنتاكي وستاربكس وبيتزا هت وكارفور وغيرها.

ووفق الأرقام المتداولة في الصحافة العبرية والعالمية فإنه منذ السابع من أكتوبر، شهدت إسرائيل موجة غير مسبوقة من هروب الاستثمارات المباشرة ونزوح للأموال والودائع، حيث تسابقت الشركات الكبرى والصناديق السيادية على الخروج من السوق الإسرائيلي وقطاع التقنية أو الهايتك الجاذب.

وباتت إسرائيل دولة كريهة ومنبوذة وبغيضة وطاردة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على حد وصف صحيفة كالكاليست العبرية الاقتصادية ومؤسسات المال.

وأفضل مثال هو أن شركة إنتل الأميركية المتواجدة منذ نصف قرن في إسرائيل، لم تكتف بوقف توسعاتها الأخيرة وتجميد خطة ضخ استثمارات جديدة بقيمة 25 مليار دولار، إنما بدأت، للمرة الأولى في تاريخها، في تسريح العمال والموظفين في شركتها الأم بنسبة 15%، وهو ما يعني طرد أكثر من 17 ألف موظف، لتوفير 10 مليارات دولار، كما ألغت الكثير من النفقات.

الجديد هنا في هذا الملف المزعج لحكومة الاحتلال ما أعلنه الصندوق السيادي النرويجي، اليوم الأربعاء، من أنه قد يسحب استثماراته من إسرائيل بعد تبنيه تفسيرا جديدا لسياسة الأخلاقيات.

هذه الخطوة إن تمت فإنها ستشكل ضربة قاصمة للاقتصاد الإسرائيلي ولحكومة نتنياهو المتطرفة لأسباب عدة، فأولا: الصندوق السيادي النرويجي هو الأضخم في العالم بحجم أصول تبلغ قيمتها 1.7 تريليون دولار، وكل دول العالم تتسابق نحو جذب أموال الصندوق نحو أسواقها وقطاعها المالي والاستثماري، لأن مجرد وجوده بها يعد رسالة ثقة للاقتصاد المحلي من قبل أكبر مؤسسة استثمارية في العالم.

وثانيا: ضخامة استثمارات الصندوق السيادي النرويجي داخل إسرائيل وتغلغله في القطاعات والأنشطة المختلفة، فوفق بيانات الصندوق فإن قيمة استثماراته بلغت 1.41 مليار دولار، بنهاية شهر يونيو الماضي موزعة على 77 شركة إسرائيلية، تعمل في أنشطة العقارات والبنوك وسوق المال والطاقة والاتصالات والتكنولوجيا وغيرها.

وثالثا، فإن انسحاب الصندوق السيادي النرويجي من داخل أسواق دولة الاحتلال لا يتوقف فقط على الاستثمارات المباشرة، بل يمتد لسحب استثماراته من شركات عالمية كبرى تتعامل مع إسرائيل منها شركات متخصصة في تصنيع أسلحة تستخدمها قوات الاحتلال في إبادة أهالي غزة، أو شركات تستثمر أموالها داخل المستوطنات المحتلة.

ورابعا، فإن انسحاب الصندوق النرويجي سيشجع صناديق سيادية ومؤسسات استثمارية أخرى على الانسحاب من إسرائيل وقطع علاقتها بها، وهذا يعد انتصارا جديدا وكبيرا لحركة مقاطعة إسرائيل والدول الداعمة لها والتي باتت تتسع رقعتها يوما بعد يوم، ويعطي زخماً للناشطين.

علماً بأن هناك عددا من الصناديق السيادية والتقاعدية والاستثمارية الكبرى سحبت جميع استثماراتها من البنوك والشركات الإسرائيلية، منها مثلا صناديق استثمار تابعة للجامعات الأميركية الكبرى، وصندوق التقاعد الدنماركي، وصناديق التقاعد البريطانية التي تعرضت لضغوط شديدة من قبل ناشطين للتخلص من استثماراتها في الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة، وصندوق تقاعد الجامعات البريطاني USS الذي قلص استثماراته في أدوات الديون الحكومية والعملة الإسرائيلية خلال الفترة الماضية.

وهناك الوكالة الوطنية الأيرلندية لإدارة الخزانة وصندوق الاستثمار الإستراتيجي الأيرلندي اللذان انسحبا من بنوك كبرى منها هبوعليم، ولئيومي، والخصم الإسرائيلي، ومزواجي، والبنك الدولي الأول، ومتاجر رامي ليفي. كما أعلنت بنوك وشركات عالمية كبرى مثل باركليز وأتش أس بي سي وأنتل انسحابها أو تقليص نشاطها من داخل دولة الاحتلال.

الخلاصة هي أنه مع استمرار هروب الأموال المكثف توقفت دولة الاحتلال عن التفاخر بكونها الدولة الأكثر استقطابا للأموال في الشرق الأوسط، وأنها واحة الأمان والاستقرار للأموال الباحثة عن الأمان والضمان والعائد المناسب، وأن تل أبيب هي عاصمة الشركات الناشئة وقطاع التقنية المتطورة، ومدينة وادي السيلكون في منطقة تعوم على بحار من المخاطر والحروب والاضطرابات كما تصور إسرائيل لأسواق المال الدولية.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى