مصطفى عبد السلام يكتب: العالم قلق من عودة ترامب.. فماذا ينتظره من مفاجآت؟
يوماً بعد يوم، تزيد توقعات فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّرة يوم 5 نوفمبر المقبل، بل وفوز حزبه بأغلبية تُتيح له السيطرة على الكونغرس. ومع زيادة منسوب تلك التوقعات يزيد قلق العالم وتوتر اقتصاده وأسواقه وارتباك تحالفاته وبنوكه المركزية من عودة ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة.
الصين وأوروبا وإيران وأوكرانيا في مقدمة القلقين من فوز دونالد ترامب بالرئاسة، لكن في المقابل فإن هناك من سيسعد بفوز ترامب، نتنياهو وبوتين وغيرهما من القادة الفاشيين، إضافة إلى كبار مستثمري البورصات الأميركية “وول ستريت” والمضاربين في العملات الرقمية، إذ إن ترامب يؤيّد بشدة العملات المشفرة.
الصين وأوروبا وقبلهما المواطن الأميركي والبنك الفيدرالي هم الأكثر قلقاً من فوز ترامب الذي من المتوقّع أن يُعيد الحروب الاقتصادية الفتاكة إلى الواجهة، ومنها الحروب التجارية وحرب العملات والمقاطعة والحصار الاقتصادي، وأن يشنّ حرباً تجارية شرسة ضد ثاني وثالث أهم كتلتين اقتصاديتين في العالم.
وبنظرة لتصريحاته الأخيرة فقد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية 10% على الواردات الأميركية من جميع دول العالم، ورسوم أخرى بنسبة 60% على الواردات من الصين. بل والانقضاض على الاقتصاد الصيني بشكل أكثر شراسة من فترة حكمه الأولى (2017-2021)، والتعامل مع الصين على أنها الخطر الأكبر الذي يُهدّد الاستقرار العالمي وقبله الاقتصاد الأميركي.
ومن شأن تلك الحرب أن تربك التجارة الدولية وتؤثر على سلاسل التوريد على مستوى العالم، خاصة أن الدول التي تستهدفها تلك الحرب التجارية مثل الصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا لن تقف عاجزة أمام سياسات دونالد ترامب الحمائية، بل ستلجأ إلى إجراءات انتقامية مماثلة، وهو ما يرفع تكاليف السلع حول العالم، ويعيد شبح التضخم الذي يقلق البنوك المركزية وصناع السياسات الاقتصادية، ويعرقل تدفق السلع للأسواق.
كما أن إقدام دونالد ترامب على فرض تعريفات جمركية شاملة على السلع المستوردة، خاصة من الصين والاتحاد الأوروبي، وترحيل العمال المهاجرين كما وعد، والضغط على البنك الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع، كل ذلك سيؤدي إلى زيادة الأسعار في الأسواق الأميركية، وهو ما يُزعج المستهلك الذي عانى بشدة طوال السنوات الأربع الماضية من موجة تضخّم هي الأعلى منذ أربعة قرون.
أوروبا لن تقف أيضاً عاجزة أمام حرب ترامب التجارية، إذ إنّ الرسوم الجمركية التي هدّد بها قد تؤدي إلى خفض صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنحو 150 مليار يورو سنوياً، وهو ما يفسّر انزعاج دول القارة وبورصاتها وأسهمها ومصانعها عقب الكشف عن زيادة حظوظ فوز ترامب بالرئاسة، وتشكيكه في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يمثل ركيزة الدفاع الأوروبي.
لا يقف قلق أوروبا عند رسوم وجمارك ترامب، فهناك مخاوف من توقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا، وإلغاء الولايات المتحدة العقوبات القاسية المفروضة على روسيا منذ فبراير 2022، مع العلاقة الشخصية القوية التي تربط بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وربما تكشف التحذيرات الأخيرة للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من فوز ترامب بالانتخابات الأميركية، وتخلّيه عن الدعم العسكري لأوكرانيا، عن جانب من هذا القلق، خاصة أن ترامب تعهّد العام الماضي بأنه في حال فوزه على جو بايدن فإنه سيقطع الدعم العسكري لأوكرانيا وينهي الحرب في مدة 24 ساعة.
على مستوى القلق العالمي المتنامي من فوز ترامب، وفق التصريحات الأخيرة لقادة اقتصاد دوليين، فإن من بين المخاوف التي أبداها هؤلاء خلال مشاركتهم هذا الأسبوع في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، هناك إمكانية قيام ترامب بقلب النظام المالي العالمي رأساً على عقب من خلال تطبيق زيادات ضخمة في الرسوم الجمركية، وإصدار ديون بتريليونات الدولارات، ضارباً عرض الحائط بتفاقم أزمة الدين العام، وتغيير مسار العمل لمكافحة تغير المناخ لصالح المزيد من إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري.
لا يتوقف الأمر عند تلك المخاطر، فهناك توقعات من كتاب غربيين مرموقين بأن فوز ترامب سيؤدي لحرب أهلية وربما نهاية أميركا، ويعرض الأمن القومي الأميركي للخطر، ويمثل أيضاً تهديداً للقطاع الصناعي والإنتاجي والتجاري والخدمي مع عودة التضخم والترحيل الجماعي والواسع للمهاجرين وزيادة مستويات الدين العام. ومن هنا يأتي قلق العالم المتزايد من فوز ترامب على كامالا هاريس.