مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: العام الجديد.. هل من بارقة أمل للمواطن العربي؟

لا أحد ينكر أن 2024 كان عاماً صعباً على معظم شعوب دول المنطقة، عام يضاف إلى سنوات الشدائد بالغة القسوة على المواطن والتي لا يعلم سوى الله موعد طيها، على أمل انتهاء تلك الحقبة القاتمة في تاريخ الشعوب.

شهدنا طوال العام الجاري حروباً ومخاطر جيوسياسية متنامية، ومجاعات وفقراً وبطالة، وتضخماً جامحاً، واختفاء سلع أساسية، وفساداً، وتهريب أموال، وتهاوي عملات، وتعثراً مالياً، وأزمات اقتصادية ومالية متفاقمة، جرى ترحيلها للعام المقبل، بلا أمل في حل قريب، وارتماء السلطات الحاكمة في أحضان المؤسسات المالية الدولية وفي المقدمة صندوق النقد الدولي، وخفض الدعم الحكومي، ورهن القرار السيادي الاقتصادي للدولة برغبات وتعليمات الدائنين، وبيع أصول الدولة، وعجز في الموازنات العامة، وزيادات قياسية في الأعباء المعيشية.

والضحية في النهاية هو المواطن الذي بات يكتوى بنيران التضخم والضرائب والرسوم وإهدار السلطات الحاكمة المال العام، وأصبح يتحمل وحده فشل سياسات حكومات تلك الدول، ومراهقتها الاقتصادية والسياسية، وإصرارها على إغراق الجميع في مستنقع الديون والغلاء، والقذف بدولها نحو المجهول.

ببساطة كانت 2024 من أصعب السنوات التي مرت على معظم الشعوب العربية، فهناك حرب في قطاع غزة أكلت الأخضر واليابس والأرواح، بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وفي المقدمة أهالي القطاع المحتل، وزاد من وطأة معاناة الأهالي حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال ودول عربية عدة شاركت في الحيلولة دون وصول الطعام والشراب والأدوية والوقود لهؤلاء المحاصرين، في الوقت الذي سيرت فيه بعض تلك الدول آلاف الشاحنات لتوفير احتياجات أسواق الاحتلال، والمحافظة على رفاهية المواطن الإسرائيلي، وفتحت موانئها للسفن التي تمون إسرائيل بكل احتياجاتها من سلع ومواد خام وسلع وسيطة وسيارات. وامتدت تلك الحرب إلى باقي المدن والمناطق الفلسطينية، مثل الضفة الغربية، وجنين، وغيرها، حيث صاحبتها سياسات التجويع والحصار، وإغلاق المعابر بين فلسطين ودولة الاحتلال.

وتكرر المشهد في لبنان الذي شهد أزمة مزدوجة، الأولى هي امتداد أزمة 2019 المالية التي أسفرت عن انتشار الجوع والفقر والبطالة والغلاء داخل الأسواق المحلية، ومواصلة مصادرة البنوك أموال المودعين، وإعلان الإفلاس المالي والتعثر عن سداد الديون، والثانية تبعات الحرب الإسرائيلية وما صاحبها من نزوح آلاف اللبنانيين، وتدمير جيش الاحتلال البنية التحتية، خاصة في جنوب لبنان، وهروب السياح والاستثمارات المباشرة.

وفي سورية، وقبل سقوطه في 8 ديسمبر الجاري، واصل نظام الأسد سياسات التجويع والقتل الجماعي والاعتقالات، ونهب أموال الدولة وتهريبها للخارج، وشهدت الأسواق غلاء غير مسبوق مع استمرار تهاوي الليرة، واختفاء السلع الرئيسية، وبيع أصول الدولة للمحتلين الجدد روسيا وإيران.

أما في تونس فقد ازداد الوضع المعيشي للمواطن قتامة، في ظل سلطة يقودها ديكتاتور مستبد، تسببت سياساته في تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي، وانتشر الفساد في كل رقعة، وركب الشباب البحر المتوسط في هجرة تحفها المخاطر، وصعد الغلاء والبطالة لأرقام قياسية، وتباطأ نمو الاقتصاد.

وفي مصر عانى المواطن من غلاء جامح وتهاوي قيمة العملة التي فقدت نحو 40% من قيمتها في 2024، كما تعرض لضغوط شديدة في ظل سياسة تقشفية وإصرار حكومي على زيادة أسعار كل شيء، بداية من رغيف الخبز والسلع الغذائية واللحوم والأدوية والبنزين والسولار والغاز والمواصلات العامة، ونهاية بفواتير الكهرباء والمياه وإيجارات السكن والهاتف المحمول، دون أن تضع الحكومة في الاعتبار مستويات الدخل والحالة المعيشية الصعبة. واللافت أن موجة الغلاء تلك تأتي في ظل أمل ووعود حكومية زائفة وبراقة أطلقتها منذ سنوات بتحسن الأحوال المعيشة وكبح التضخم.

وفي الجزائر، فإن الغلاء يطحن المواطن في دولة تصنف بأنها نفطية، حيث لم تنعكس إيرادات صادرات الغاز والنفط، التي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، على غالبية المواطنين، في ظل تهاوي الدينار مقابل الدولار، ولجوء السلطات هناك إلى وضع يدها في جيب المواطن، وتفشي الفساد، ونقص المواد الغذائية الأساسية وارتفاع الأسعار.

يتكرر المشهد في المغرب الذي يقود حكومته رجل أعمال تتداخل مصالح شركاته الخاصة مع مصالح الدولة، مع تنامي الغلاء والفوارق الطبقية، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وارتفاع نسبة البطالة والفقر والديون، وانتشار التسول والتشرد، وزيادة معدلات الجريمة، كما شهدت الدولة موجة جفاف هي الأعنف منذ أربعة عقود.

أما الأردن فحدث ولا حرج عن موجات زيادات أسعار كل شيء، مع تنامي معدلات الفقر والبطالة، يقابلها حكومة تلاحق المواطن بالضرائب والرسوم وبلا توقف. وفي السودان فإن حرباً أهلية اندلعت في إبريل 2023 أكلت الأخضر واليابس، وأعادت البلاد إلى القرون الوسطي، حيث المجاعات والنزوح، وتضخم يفوق 100%، وتهاوي قيمة العملة المحلية، واستيراد قمح من إسرائيل. ويتكرر المشهد في اليمن الذي يشهد حرباً أهلية منذ عام 2015، ويشهد منذ سنوات تهاوياً للعملة، وقفزات في أسعار السلع، واعتماداً شبه كلي على السعودية في المعونات والمنح.

أما ليبيا الدولة النفطية كذلك فلا تسمع من المواطن سوى شكاوى من تفشي البطالة والغلاء، وتدهور البنية التحتية، وإغلاقات لحقول النفط، وأزمات سياسية وأمنية ومصرفية لا تنتهي، وسط وجود حكومتين متنازعتين.

ويتراجع المشهد بعض الشيء في العراق الذي تحسّن مركزه المالي، وسدد ديون صندوق النقد الدولي كاملة، ولم يتبق عليه سوى تسعة مليارات دولار للدائنين الدوليين. صحيح أن الدولة تشهد تهاوياً في قيمة عملتها، وارتهان أسواقها المحلية لإيران، لكن المشهد المعيشي يتحسّن بعض الشيء، على أمل تحسّن المركز المالي للدولة، وتراكم احتياطيات النقد الأجنبي.

ربما الصورة تختلف إلى حد كبير في دول الخليج التي تعوم معظمها على بحار من النفط والغاز، تدرّ عليها مئات المليارات من الدولارات سنوياً، ولديها صناديق سيادية تتجاوز حجم الأموال المستثمرة بها نحو خمسة تريليونات دولار، ومن المتوقع أن تنمو الأصول التي تديرها تلك الصناديق لتصل إلى 7.3 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وهو ما يفوق معدلها في 2024 بنسبة 49%.

هذه أبرز ملامح 2024 التي قصمت ظهر المواطن وأفقرته وأذلته، وتسببت في انهيار الطبقة الوسطى، وإرهاق موازنات الدول، فهل تأتي 2025 ببارقة أمل حتى يلتقط المواطن أنفاسه ولو لفترة خاطفة؟

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى