أقلام حرة

مصطفى عبد السلام يكتب: المواطن للحكومة.. من أمِن العقوبة أساء التصرف

أصبح لسان حال المواطن يقول للحكومات: «من أمِن العقوبة أساء الأدب والتصرف»، لأنه هو من يدفع ثمن السياسات والقرارات الحكومية في الأنظمة المستبدة أو غير المنتخبة، في صورة رفع أسعار رغيف الخبز والسلع التموينية والأدوية والبنزين والسولار وإيجارات السكن وكلفة التداوي والعلاج، وترحل تلك الحكومات دون أن يحاسبها أحد على فشلها في إدارة المشهد الاقتصادي والمعيشي، أو إغراق البلد في ديون وتحميل الأجيال القادمة كلفة سدادها.

في المقابل، نجد أن الجري وراء المزيد من القروض، وجذب الأموال الساخنة، وزيادة الضرائب، وخفض الدعم المقدم للفقراء، ورفع أسعار السلع الأساسية، هي أقصر الطرق التي تلجأ إليها معظم حكومات دول المنطقة في تدبير الموارد المالية للدولة وإرضاء كبار الدائنين الدوليين.

وعادة ما تختار تلك الحكومات الحلول السهلة غير المزعجة بالنسبة لها في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والتحديات المالية المتعلقة بالمركز المالي للدولة وعجز الموازنة، ومواجهة المشاكل المعيشية المتعلقة بالمواطن، وهي الحلول التي لا يتطلب تنفيذها جهدا كبيرا وخططا ورسم سيناريوهات والعمل عليها ومتابعة تنفيذها، بل يتطلب الأمر إصدار قرارات وتشريعات عاجلة تجد طريقها للتمرير بسرعة عن طريق برلمانات غير منتخبة أو منتخبة صورياً، من دون وضع المواطن في الاعتبار، رغم أنه وحده هو من يتحمل كلفة تلك القرارات كاملة.

مثلا، معظم الحكومات تفضل سياسة فرض مزيد من الضرائب والرسوم والتمغات والجمارك وتوسيع الرقعة الضريبية ودائرة الممولين، بدلا من مكافحة جرائم التهرب الضريبي والجمركي، وتنشيط الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وعين الحكومة تكون دوما على زيادة الحصيلة الضريبية وموارد الدولة عبر الرسوم وزيادة الأعباء على المواطن، بدلاً من زيادة الإنتاج والتصدير، وإحداث طفرة في أنشطة الاقتصاد.

والحكومة هنا لا تدرك أنها بهذا المسلك والإصرار المتواصل على زيادة الضرائب والأعباء المالية وكلفة الإنتاج تعمل على شل حركة الاقتصاد، ورفع كلفة المعيشة عبر زيادة الأعباء الملقاة على الممول، سواء كان مواطنا أو مستثمرا، وهنا تقتل الحافز على العمل، وتغذي الاستثمار الريعي مثل العقارات على الاستثمار الإنتاجي والصناعي.

ولا تدرك الحكومة أن معدلات الضرائب المرتفعة والمبالغ فيها تقلص القاعدة الضريبية، لأنها تقلل من النشاط الاقتصادي. وأن الشركات عندما تحقق أرباحا فإنها تسارع بسداد الضرائب والالتزامات المستحقة عليها من تأمينات وأجور وفواتير منافع عامة مثل الكهرباء والمياه وغيرها.

أما إذا أصاب الأسواق داء الركود والكساد والإفلاس فإن إيرادات الدولة ومنها الضرائب تتراجع. وهنا يجب ألا تبالغ الحكومات في فرض الضرائب، لخطورة ذلك على المواطن والنظام الاقتصادي والأنشطة الاستثمارية، بل وعلى الدولة نفسها.

والحكومات تغض الطرف أيضا عن جرائم الرشى والمحسوبية داخل مؤسسات الدولة والجهات المسؤولة عن جمع الضرائب وإيرادات الدولة، ولذا تضيع المليارات على خزانة الدولة، ولا تؤمن أبدا بمقولة الفيلسوف وعالم الاجتماع الشهير ابن خلدون أن الضرائب تحقق عائدات أكبر في حال خفضها، وأن الظلم والمبالغة في إرهاق الناس مؤذن بخراب العمران.

وأسهل شيء تفعله الحكومة هو الحصول على القروض والاستدانة وكأنها تحتسي كوب ماء، ولا تشغل بالها كثيرا بمصادر السداد وإرهاق الأجيال المقبلة، وتفضل بيع أصول الدولة من شركات وبنوك وأراض وغيرها على إقامة مشروعات وخلق فرص عمل، وتفضل أيضا إقامة عقارات ومدن ومواصلات للأثرياء على تشييد مصانع ومشروعات إنتاجية واستصلاح أراضٍ وتوسيع الرقعة الزراعية.

كما تفتح الحكومة الباب على مصراعيه أمام الأموال الساخنة لتغترف من أموال الدولة ما تشاء، بل وتساعدها في ذلك عبر رفع أسعار الفائدة بمعدلات قياسية، وأحيانا عبر دعم المستثمر الأجنبي بتثبيت سعر العملة المحلية ودعمها من أموال الاحتياطي الأجنبي.

حكوماتنا كسولة، لا تريد أن تتعب لأنها غير منتخبة، ولا تقبل مبدأ المحاسبة والرقابة، ولا أحد يحاسبها من الاصل، وأحيانا ما تعتبر نفسها فوق القانون، فالقروض التي تغترفها من الخارج لا أحد يحاسبها على أسباب الحصول عليها أو كيفية إنفاقها والعائد، والضرائب التي تجمعها لا أحد يسألها عن كيفية إنفاقها، والمليارات التي يتم منحها لأصحاب الأموال الساخنة وتمثل إرهاقا شديدا لميزانية الدولة آخر ما يشغل بال تلك الحكومات.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى