مصطفى عبد السلام يكتب: تداعيات أزمة الطاقة في إيران
تمر إيران بأزمة طاقة حادة ربما تعد الأعنف في تاريخ البلاد، أزمة شح شديد في مشتقات الوقود أصابت الدولة بالشلل التام
ودفعت الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى تقديم اعتذار علني للمواطنين عن المشاكل الناتجة من عجز الطاقة وانقطاع الكهرباء في عموم الدولة،
بل وتحذيره من أن الوضع وصل إلى درجة حرجة، وأن الدولة تواجه اختلالات خطيرة للغاية في الغاز والكهرباء والطاقة والمياه والسيولة النقدية والبيئة،
وأن هذه الاختلالات تصل إلى مستويات قد تحولها إلى أزمات.
أزمة الطاقة العنيفة في إيران اسفرت حتى الآن عن غرق الشوارع والمراكز والمحال التجارية والمدن الكبرى والأقاليم في ظلام دامس،
وأغلاق الحكومة مكاتبها أو تقليص ساعات العمل توفيراً للكهرباء،
كما تم اغلاق المدارس والجامعات وتحويل العملية التعليمية إلى التعليم عن بعد، وقفل أبواب المؤسسات الرسمية والمصانع بسبب انقطاع الكهرباء.
وأغلقت معظم الهيئات التابعة للدولة أبوابها لترشيد الاستهلاك من الطاقة الشحيحة، وسط تحذيرات متزايدة من غضب الإيرانيين.
وبلغ الحدّ بأزمة عجز الغاز الطبيعي إلى وقف تشغيل غلايات المياه وأجهزة التدفئة وسط درجات حرارة تقترب من الصفر، وهو ما يرفع مستوى حنق المواطن.
أزمة الطاقة في إيران تتسبب في خسائر فادحة
وبسبب أزمة الطاقة تكبدت الدولة خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في ظل شلل الحياة المعيشية للمواطن وتوقف الأنشطة الاقتصادية المختلفة، خاصة بعد أن أبلغت الحكومة المنشآت الصناعية بأن قطع الكهرباء قد يمتد لأسابيع عدة.
ووسط غضب شعبي وجماهيري واسع من تبعات الأزمة التي تتفاقم يوم بعد يوم دون وجود حل في الأفق، أو تقديم السلطات المختلفة وعودا قاطعة بطيً الأزمة في المستقبل القريب،
يسأل المواطن نفسه: هل بات بإمكانه الذهاب إلى مقر عمله وفتح متجره وإرسال أولاده إلى المدارس والجامعات المغلقة خلال الأسابيع التي وعدت بها السلطات،
وهل يرتاد المصعد الكهربائي بمنزله دون مخاطر؟ وبالطبع لن يسأل عن الخدمات الأخرى مثل الإنترنت لأنها باتت شبه غير متوافرة.
امتدت حالة الغضب الشعبية لقطاع الأعمال والأنشطة الاقتصادية وسط تحذيرات من أن الخسائر الناتجة من قطع الكهرباء عن قطاع الصناعة الحيوي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات،
وتؤثر بشدة على تلبية احتياجات الأسواق المحلية من السلع والخدمات، وكذا على الصادرات الخارجية،
بل تؤثر سلبا على موارد الدولة الدولارية وسعر العملة المحلية، الريال، التي تتعرض لضغوط شديدة مقابل الدولار.
محاولات احتواء أزمة الطاقة في إيران
تحركات الحكومة لاحتواء الأزمة بدت عاجزة ومرتبكة، خاصة وأن العجز في كميات الغاز التي تحتاجها البلاد لأداء وظائفها ضخم جدا حيث يبلغ نحو 350 مليون متر مكعب يومياً،
وهو ما أدى إلى توقف نشاط التصنيع والإنتاج تقريباً مع أغلاق المؤسسات العامة،
ومع تفاقم الأزمة اضطرت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لترشيد استهلاك الغاز التي تعاني الدولة ندرة به رغم ما تردد سابقا عن امتلاك إيران مخزونات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط الخام.
الأزمة وضعت الحكومة الإيرانية أمام خيارين، كلاهما مرّ شعبيا، إما أن تقطع الغاز عن المنازل، أو تقطع إمدادات الغاز عن محطات توليد الكهرباء.
واختارت الحكومة البديل الثاني، باعتباره الأقل ضررًا من حرمان المنازل من الغاز الذي يمثّل المصدر الرئيسي للتدفئة بالنسبة لمعظم المواطنين خاصة في ظل هذا الطقس القارس.
واللافت في الأمر أن أزمة الطاقة جاءت رغم أن إيران دولة نفطية كبرى، ومنتج كبير للخام الأسود والوقود الأزرق،
وتمتلك محطات ومخزونات تجعلها من أكبر منتجي الغاز الطبيعي والنفط الخام في العالم.
السبب الحقيقي لأزمة طاقة في إيران
ومن هنا يسأل المواطن عن السبب الحقيقي للأزمة، هل بسبب العقوبات الغربية والأميركية المفروضة على إيران منذ سنوات والتي حرمتها من تحديث منشآتها النفطية وتطوير البنية التحتية المتهالكة المتعلقة بقطاع الطاقة، وجذب استثمارات أجنبية للقطاع الحيوي؟
أم بسبب سوء إدارة الدولة للموارد النفطية وتفشي الفساد ورخص أسعار مشتقات الوقود، والاستهلاك المسرف من قبل المواطن؟
أم أن الأزمة ترتبط بشكل مباشر بالهجمات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت الطاقة في إيران،
وما تردد عن تفجير إسرائيل خطَّي أنابيب رئيسين يربطان جنوب إيران بشمالها يوم 14 فبراير2024، لتلجأ الحكومة بعدها إلى مخزونات الطوارئ لتجنُّب توقُّف الإمدادات؟
وبغض النظر عن أسباب الأزمة الحقيقية فإن هناك علامات استفهام عدة لا يجد الإيرانيون إجابة شافية لها في ظل تفاقم أزمة الطاقة في الدولة التي تعاني من نكسات جيوسياسية كبرى،
وتراجع دورها الإقليمي عقب سقوط نظام بشار الأسد في سورية واغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله،
وترَاجع دور الحزب اللبناني في المنطقة، وقرب تولي دونالد ترامب، المعادي القوي لطهران، السلطة في الولايات المتحدة.