مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: ترامب والحوثي يتحرشان بقناة السويس

تمر قناة السويس، أهم مجرى مائي في العالم، هذه الأيام، بفترة عصيبة جداً وتحرشات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجماعة الحوثي اليمنية، فترة ربما تعيد للأذهان الفترات الحرجة والتهديدات الخطيرة التي مرت بها من قبل وأخطرها ما جرى في عام 1967 حيث تسببت هزيمة يونيو في إغلاق قناة السويس لأكثر من ثماني سنوات، وهي أطول فترة إغلاق شهدتها القناة، حتى أعاد الرئيس أنور السادات افتتاحها في منتصف العام 1975، بعد فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، ووقف إطلاق النار عقب انتصار مصر في حرب أكتوبر على إسرائيل.

وقبلها تم إغلاق القناة في عام 1956 بسبب العدوان الثلاثي على مصر الذي شنته إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، وتكرر مشهد الإغلاق في سنوات أخرى مع زيادة المخاطر الجيوسياسية والأمنية منها ما جرى في الأعوام 1882 و1888 و1905 وخلال الحربين العالميتين الأولى 1914-1918 والثانية 1939-1945. كما تعرضت مصر في سنوات مضت لضغوط من قوى دولية حاولت استغلال القناة في حسم النزاعات أو التأثير عليها كما جرى في بداية حرب أوكرانيا، وقبلها حرب الخليج الأولى والثانية.

اليوم، تشهد قناة السويس التي يمر من خلالها نحو 12% من حجم التجارة الدولية و22% من تجارة الحاويات، توقعات متشائمة في العام 2025 وأزمة مزدوجة في الفترة المقبلة، الأولى بسبب اشتعال التوتر في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث تجددت هجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن الإسرائيلية المتجهة لموانئ دولة الاحتلال بسبب استئناف الحرب على غزة، وتصاعد التوتر بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ ضربات عسكرية مكثفة ضد الحوثيين بمشاركة طائرات مقاتلة وسفن حربية، واستهداف الجماعة سفن وبارجة أميركية أدى لخروجها عن الخدمة كما تردد.

علماً بأن هجمات الحوثي السابقة على السفن الإسرائيلية وحاويات الدول الداعمة لحرب الإبادة على غزة كبدت قناة السويس خسائر فادحة حيث أعلنت رئاسة الجمهورية المصرية في نهاية شهر ديسمبر الماضي أن القناة خسرت أكثر من 60% من عائداتها في عام 2024 وبما يقارب 7 مليارات دولار مقارنة بعام 2023، وعادت الرئاسة قبل أربعة أيام لتقدر الخسائر بنحو 800 مليون دولار شهرياً، في حين قدرتها مصادر رسمية منها البنك المركزي بنحو 500 مليون دولار، ومهما كان الرقم فإن الخسائر ستتعمق مع عودة حدة التوتر في منطقة البحر الأحمر وعدم قصرها على هجمات الحوثي، وعودة شركات الشحن العالمية لممر رأس الرجاء الصالح.

أما الأزمة الثانية التي تواجه قناة السويس هذه الأيام فتأتي بسبب تحرش ترامب بالقناة المصرية وغيرها من الممرات الملاحية العالمية بهدف الضغط على الدول المالكة لها لخفض رسوم المرور خاصة لسفن الشحن الأميركية حيث أعلنت لجنة الشحن البحري الفيدرالية في الولايات المتحدة قبل أيام فتح تحقيق في نقاط الاختناق البحرية العالمية، يشمل قناة السويس وممرات ملاحية أخرى، لتقييم ما إذا كانت أي دولة أو شركة شحن بحري أو مشغّل بحري آخر يخلق ظروفاً غير مواتية للشحن الأميركي والتجارة الخارجية.

هذا التحرش من قبل ترامب وعمليات الاستهداف للقناة المصرية تعيد للأذهان الحملة الشرسة التي شنها ترامب على قناة بنما والتي هدد مرات عدة باحتلالها عسكرياً بزعم المبالغة في الرسوم المفروضة على الشاحنات الأميركية العابرة، وانتهت الحملة بسيطرة كونسورتيوم أميركي على الشركات التي تتولى إدارة الموانئ الرئيسة في القناة الواقعة في أميركا اللاتينية في صفقة بلغت قيمتها 19 مليار دولار.

قناة السويس تعد أحد أبرز موارد النقد الأجنبي في مصر، واستمرار الأزمات الحالية الناتجة عن هجمات الحوثي وتحرش ترامب ليس في مصلحة الاقتصاد المصري، وعلى السلطات المسؤولة في مصر التحرك بسرعة لزيادة الموارد الدولارية الأخرى للدولة خاصة من قطاعات حيوية مثل الصادرات الخارجية والسياحة والاستثمارات المباشرة وتحويلات العاملين في الخارج وإيرادات الطاقة، بدلا من أن تتسبب خسائر القناة المتواصل في تعميق أزمات الاقتصاد وحدوث اضطرابات في الأسواق خاصة سوق الصرف الأجنبي، خاصة وأن القناة المصرية تعاني بالفعل من أزمات حقيقية سواء تلك الناتجة عن تداعيات حرب غزة والحرب التجارية العالمية أو المشروعات المنافسة وأحدثها الممر الاقتصادي الهندي الخليجي الأوربي، والمشروعات التي أعلنت عنها كل من روسيا والصين وإسرائيل والهند.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights