مصطفى عبد السلام يكتب: تركيا وإسرائيل.. «أن تأتي متأخراً»
«أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي من الأصل» هذه القاعدة تنطبق على الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي المجرم على قطاع غزة.
فمع اندلاع الحرب قبل أكثر من ستة شهور توقع الكثيرون داخل العالمين العربي والإسلامي موقفاً تركياً داعماً لأهل غزة وحازماً تجاه جرائم تل أبيب وجيش الاحتلال أسوة بما حدث في اعتداءات إسرائيلية سابقة على القطاع، واتخاذ أنقرة إجراءات سياسية واقتصادية عنيفة بحق دولة الاحتلال قد تدفعها إلى وقف الإبادة الجماعية التي تمارسها بحق الفلسطينيين على نطاق واسع، أو على الأقل التخفيف من حدتها.
مثلاً، طردُ السفير الإسرائيلي من أنقرة وإغلاق السفارة وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، ووقف حركة الطيران، والتبادل التجاري والتعاون العسكري، ومنع تدفق الصادرات التركية، وعرقلة خطوط الشحن والتجارة.
وهو أمر، لو حدث في وقت مبكر من الحرب، لكان سيشكل ضربة قاصمة للأسواق الإسرائيلية والأنشطة الاقتصادية المختلفة داخل دولة الاحتلال، نظراً لضخامة صادرات تركيا لدولة الاحتلال والتي تجاوزت قيمتها 5.42 مليارات دولار في عام 2023، انخفاضا من 7 مليارات دولار في عام 2022.
كما أن الخطوة كانت ستدعم بقوة تداعيات الهجمات التي قامت بها جماعة الحوثي اليمنية من استهداف سفن إسرائيل والدول الداعمة للحرب في غزة والمارة في البحر الأحمر والتي تسبب في حدوث شلل لميناء إيلات وحركة السفن الإسرائيلية والتجارة عبر باب المندب.
كانت هناك توقعات أيضا بوضع أنقرة قيودا شديدة على تدفق الصادرات الإسرائيلية إلى الأسواق التركية والبالغة قيمتها 1.5 مليار دولار عام 2023 انخفاضاً من 2.5 مليار دولار عام 2022، بخاصة أن بدائل تلك الصادرات متاحة سواء من الدول العربية أو أوروبا وغيرها.
وكانت هناك توقعات بإغلاق الموانئ التركية أمام السفن الإسرائيلية والدول الداعمة للاحتلال كإجراء ضاغط على حكومة نتنياهو والقوى الغربية، أسوة بما فعلته دول أخرى منها ماليزيا التي فرضت حظراً على جميع السفن المملوكة لإسرائيل والتي ترفع العلم الإسرائيلي، وكذلك على أي سفن متوجهة إلى إسرائيل، ما سيمنعها من الرسو في موانئها.
خطوات تركية كتلك كانت ستشكل صدمة للحكومة والأسواق والمستهلك الإسرائيلي وقطاع الأعمال والاستثمار والذي يعتمد بشكل كبير على صادرات تركيا من السلع والبضائع والمنتجات الغذائية والوسيطة وقطع الغيار ومواد البناء ومشتقات الوقود مثل بنزين الطيران ووقود الطائرات.
كما كان الجميع يترقب قراراً من الحكومة التركية بوقف أي تعاون اقتصادي مع تل أبيب خلال فترة العدوان سواء على مستوى تبادل الوفود الرسمية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتجميد الاتفاقات المبرمة.
صحيح أن تركيا أوقفت مبكرا وفي بداية الحرب التعاون مع إسرائيل في مشروعات الطاقة المشتركة وخطط التنقيب المشترك عن النفط في البحر المتوسط، والشراكة بعدد من المشروعات الخاصة بنقل الغاز الطبيعي وتصديره إلى أوروبا.
وصحيح أيضا أن حجم تجارة تركيا مع تل أبيب تهاوى بنسبة 33% بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وأن ما كان يتم من صفقات تجارية كان يجري عبر الشركات التركية الخاصة لا الحكومية، وأن تركيا شهدت مقاطعة واسعة للمنتجات والسلع الإسرائيلية، وأنه مع انتشار شائعات حول زيادة الصادرات التركية لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر سارعت الحكومة للتبرؤ من تلك الشائعات ووصفها بالمغرضة والمسيئة للدولة.
لكن تظل تلك الخطوات غير كافية نظراً للدور الذي لعبته أنقرة في مساندة أهالي غزة في اعتداءات سابقة كما حدث في سنوات 2008 و2010 و2016.
تركيا حاولت أمس الثلاثاء، تدارك التقصير بحق أهالي غزة، فقد أعلنت تقييد تصدير 54 منتجاً تركياً إلى إسرائيل اعتباراً من أمس. خطوة غير كافية، وفي انتظار خطوات أخرى أشد قسوة وتأثيرا بحق دولة الاحتلال وأسواقه واقتصاده.