مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: حرائق كاليفورنيا.. أزمات مالية تنتظر أمريكا

مع اندلاع حرائق ضخمة، تتخوف الولايات المتحدة هذه الأيام من اندلاع أزمة مالية جديدة وحادة تشبه تلك التي شهدتها البلاد في عام 2008،

وسببت انهيارات كبرى في القطاع المصرفي والمالي والتأميني، وإفلاسات لبنوك شهيرة مثل «ليمان برازر» و«واشنطن ميوتشوال»،

واختفاء إمبراطورية «ميريل لينش» المالية العملاقة، وانتقلت الأزمة بعدها لدول العالم وضربت الاقتصادات الكبرى وفي مقدمتها الاقتصاد الأوروبي،

ودفعت بنوكا بريطانية وعالمية كبرى للإفلاس أو الاختفاء عبر الدمج،

وسببت اضطرابات عنيفة في أسواق المال والبورصات بما فيها أسواق «وول ستريت» الأمريكية، ولولا تدخل الحكومة الأمريكية لانهار الاقتصاد وقتها.

المخاوف من الأزمة المتوقعة هذه المرة تأتي على خلفية الخسائر الفادحة التي تتعرض لها الولايات المتحدة جراء الحرائق التي اندلعت في مدينة لوس إنجلوس بولاية كاليفورنيا

وتقدر بنحو 150 مليار دولار، وتوقعات بحدوث موجة إفلاسات في قطاعي التأمين والعقارات الأمريكي، ودفع سوق التأمين برمته إلى حافة الهاوية.

فوفق تقديرات «وول ستريت» فإنها تتوقع خسائر بقيمة 20 مليار دولار لشركات التأمين الأمريكية وحدها،

وهو مبلغ ضخم مقارنة بحجم الاحتياطيات والسيولة النقدية لديها،

والتعويضات الضخمة المطلوب سدادها في توقيت واحد، كما أن القطاع بات غير قادر على مواجهة الكارثة العليا من حيث التكلفة،

ليس في تاريخ ولاية كاليفورنيا، بل في تاريخ الولايات المتحدة.

الحرائق الشديدة تتوسع

يزيد الأمر تعقيداً توقعات خبراء مناخ أن يشهد جنوب ولاية كاليفورنيا ومناطق أخرى اندلاع المزيد من الحرائق الشديدة خلال أشهر الشتاء،

وبالتالي تفحم العقارات الأكثر قيمة في الولايات المتحدة، وهو ما دفع السيناتور الديمقراطي عن كاليفورنيا، شيلدون وايتهاوس،

للتعبير عن مخاوفه من انهيار القطاع العقاري في الولاية ومن ثم امتداده لباقي الاقتصاد الأمريكي وتسببه في حدوث أزمة مالية جديدة على غرار الأزمة التي وقعت قبل 16 سنة.

خسائر شركات التأمين ليست هي المأزق الأبرز الذي يواجه الاقتصاد الأمريكي هذه الأيام، صحيح أننا أمام أزمة اقتصادية ومالية حادة تكشف هشاشة تلك الشركات،

وتثير القلق بشأن التكاليف المتصاعدة للكوارث المرتبطة بالمناخ. لكن هناك أيضا خسائر فادحة في الممتلكات والأراضي والعقارات،

فقد تعرض أكثر من 57 ألف مبنى لدمار شامل بسبب حريق باليساديس، وتم تهجير أكثر من 180 ألف شخص،

وأتت النيران على 31 ألف فدان من الأراضي، والتهمت الحرائق العنيفة منطقة تحتوي على بعض أغلى العقارات في الولايات المتحدة.

وكل تلك الأضرار والخسائر الفادحة وكلفة التهجير يتحملها الاقتصاد والحكومة والموازنة العامة.

لا تتوقف أزمة الاقتصاد الأمريكي على الحرائق 

لا تتوقف أزمة الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي على كلفة الحرائق الباهظة،

التي قد تتجاوز التقديرات الحالية والتي تتراوح بين 135 و150 مليار دولار،

لكنها تكمن في مخاطر أخرى منها تفاقم الدين الحكومي الذي تجاوز 36 تريليون دولار لأول مرة وبتكلفة تريليون دولار في السنة،

وهو رقم يهدد بزوال الإمبراطورية الأمريكية كما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير صدر في صيف العام 2024.

وهناك أزمة عدم اليقين الاقتصادي والتضخم الذي لا يزال يطل برأسه مجدداً مهددا قطاع الأعمال والأسواق والقدرة الشرائية للمواطن وخطط التيسير النقدي،

وهناك المخاوف المتعلقة بدخول الاقتصاد الأمريكي في فترة ركود حادة،

وهو ما يهدد سياسة الهبوط الناعم للاقتصاد التي يقودها البنك الفيدرالي.

أيضا هناك الارتباكات العنيفة التي يمكن أن تسببها سياسة دونالد ترامب الاقتصادية،

خاصة المتعلقة بفرض رسوم جمركية باهظة على شركائه التجاريين،

ودخوله في معارك تجارية حادة مع كل من الصين وأوروبا وكندا والمكسيك وإيران وغيرها من دول العالم.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights