مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: حرب لبنان وسر برود الأسواق العالمية

تعيش منطقة الشرق الأوسط الساخنة جداً في وادٍ والأسواق العالمية في وادٍ آخر، حيث تتسم تلك الأسواق بالبرود الشديد على غير عادتها، فعلى الرغم من توقعات مؤسسات مالية واستثمارية كبرى حدوث قفزات في أسعار النفط والغاز والذهب، وغيرها من السلع الرئيسية في حال توسع دائرة الحرب والمخاطر الأمنية في المنطقة وامتدادها إلى لبنان ومناطق أخرى، إلا أن ردة فعل تلك الأسواق على الهجوم العنيف الذي شنه جيش الاحتلال على جنوب لبنان لم تشه ارتدادات عنيفة على أسعار الطاقة والمعادن النفيسة والأغذية وغيرها، فأسعار النفط شهدت تراجعاً اليوم الخميس بما يزيد عن الدولارين للبرميل، وتخلت عن مكاسبها السابقة بعد أنباء عن تأهب السعودية، أكبر المصدرين للخام الأسود، لزيادة الإنتاج.

وأسواق المال والبورصات العالمية شهدت تحسناً، حتى أسواق المال الخليجية ارتفعت اليوم، ومنها بورصات السعودية وقطر والكويت رغم تراجع أسعار النفط المصدر الرئيسي للميزانيات الخليجية، بل إن مؤشر سوق دبي المالي اخترق مستوى 4500 نقطة لأول مرة منذ العام 2014. وسجل الأجانب صافي شراء في الأسهم السعودية بقيمة 1.56 مليار ريال خلال الأسبوع الحالي.

وامتد التحسن إلى سوق العملات المشفرة، حيث ارتفعت الأسعار خلال تعاملات اليوم، في ظل تحسن معنويات المؤسسات الاستثمارية تجاه عملة بيتكوين الرقمية، وتوسع الاقتصادات الرئيسية في سياسة خفض سعر الفائدة، والتخلي عن سياسة التشدد النقدي.

وفي أسواق المعادن صعدت الفضة لأعلى مستوياتها منذ عام 2012. وواصلت أسعار الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة حيث ارتفعت إلى 2700 دولار للأونصة اليوم، مدفوعة بتوقعات مواصلة البنك الفيدرالي الأميركي خفض سعر الفائدة بنسبة أكبر قد تفاجئ الأسواق، كما حدث في اجتماعه الأخير، وضعف الدولار، واستمرار المخاوف المتعلقة بانزلاق الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصادات العالم، نحو الركود وتراجع معدل النمو المستهدف. ومع اقتراب الانتخابات الأميركية ارتفع منسوب حالة عدم اليقين، مما يعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن.

بل إن بنك «يو بي إس» السويسري العملاق رفع توقعاته لأسعار الذهب، منتظراً تسجيل مزيد من المكاسب خلال العام المقبل، بعدما صعدت الأسعار 29% تقريباً خلال 2024. وتوقع وصول الأسعار إلى 2750 دولاراً للأوقية بحلول نهاية العام الجاري وإلى 2850 دولاراً بحلول منتصف العام المقبل ثم 2900 دولار بحلول الربع الثالث من 2025.

هناك عدد من الأسباب التي يمكن أن تفسر حالة برود أسواق العالم رغم زيادة الاضطرابات العنيفة، والمخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومخاوف انزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية، أولها أن إيران لم تنخرط بشكل مباشر في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وأنها لم تنتقم بعد من جريمة استشهاد إسماعيل هنية على أراضيها، ولم تدخل في مواجهات مباشرة مع إسرائيل، بل تواصل الحرب عبر وكلاء في لبنان واليمن والعراق وسورية.

وبالطبع فإن إي إشارة من طهران على انخراطها في حرب مباشرة أو مساندة قوية لحزب الله يمكن أن تحدث قفزات عنيفة في أسواق النفط، وهنا قد يتكرر سيناريو ما جرى عقب غزو روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، من قفزة سعر النفط لحاجز 140 دولارا للبرميل، حيث إن إيران منتج كبير للنفط، فهي تنتج ما يقرب من 3.6 ملايين برميل يومياً، وتخطط لزيادته إلى أربعة ملايين.

وثاني أسباب برود الأسواق العالمية يكمن في أن إسرائيل ولبنان لا يمتلكان نفطاً، ولا يمكن أن يؤثرا في أسواق النفط، فهما غير منتجتين للخام الأسود، بل مستوردان، والأسواق بما فيها أسواق الطاقة مطمئنة لتدفق صادرات النفط من منطقة الخليج والعراق وإيران.

أما ثالث الأسباب فهو عدم توسعة دائرة الحرب الحالية لتمتد إلى العاصمة بيروت واجتياح لبنان وجنوبه برياً، فرغم حدة الضربات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل لا تزال الحرب الحالية «مهندسة» ومحسوبة ومدارة بالريموت، ولم تمتد إلى المواقع الاستراتيجية مثل المطارات والموانئ ومواقع إنتاج الغاز وغيرها.

ويكمن السبب الرابع في برود الأسواق العالمية في أن اهتمامات المستثمرين الدوليين هذه الأيام تركز أكثر على ما يحدث داخل أروقة البنك الفيدرالي الأميركي، وترقب صدور أي إشارات تتعلق بمسار خفض سعر الفائدة.

وبالتالي هي غير معنية كثيرا بما يحدث داخل منطقة الشرق الأوسط إلا إذا أثر على تدفقات صادرات النفط والغاز.

أما السبب الخامس فيكمن في عدم تصعيد جماعة الحوثي ضد التجارة الدولية في البحر الأحمر وضد مواني إسرائيل الحيوية المطلة على البحر مثل إيلات، وأنه لا جديد في مستوى استهداف السفن الأميركية والبريطانية والإسرائيلية المارة.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى