مصطفى عبد السلام يكتب: خفض أسعار الفائدة.. المفاجآت محتملة
فتح البنك المركزي الأوروبي ماراثون خفض أسعار الفائدة من طرف البنوك المركزية العالمية الكبرى، ورغم ذلك لا تزال المفاجآت محتملة مع بقاء خطر التضخم قائما، وكان البنك قد خفض يوم الخميس الماضي أسعار الفائدة للمرة الأولى في خمس سنوات، بواقع ربع في المائة لتصل إلى 3.75%، لينضم بذلك إلى عدد محدود من البنوك المركزية في كندا والسويد وسويسرا، بدأت التخلي عن سياسة الفائدة المرتفعة التي اضطرت إلى تبنيها للسيطرة على معدل التضخم الجامح الذي سيطر على الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، وزادت حدته بعد انطلاق حرب أوكرانيا في فبراير 2022.
اللافت في قرار البنك المركزي الأوروبي أنه كان مبادراً ومتخلياً عن سياسة رد الفعل التي دأب على تطبيقها في السنوات الأخيرة، ومخالفاً لقرار نظيره البنك الفيدرالي الأميركي الأخير، والذي لا يزال يتأنى في إطلاق دورة من التيسير النقدي وخفض سعر الفائدة على الدولار على خلفية مخاوفه من قلق التضخم والذي لا يزال معدله أعلى من الرقم المستهدف وهو 2%.
بل إن البنك الأوروبي اتخذ الخطوة من دون انتظار قرار البنك الفيدرالي المقبل، وهو أمر لافت، خاصة أنه طوال السنوات الماضية كان العكس هو ما يحدث، وكان رد فعل لآخرين، الفيدرالي يرفع الفائدة ثم تتبعه البنوك المركزية الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الأوروبي وغيره من البنوك في بريطانيا واليابان وسويسرا وغيرها.
من المبكر جداً التكهن بحدوث موجة تراجعات حادة في أسعار الفائدة على العملات الرئيسية، وفي مقدمتها الدولار واليورو والإسترليني، تشبه الزيادات الحادة التي جرت خلال السنوات الثلاث الماضية، والتوقعات تستبعد حدوث ذلك، خاصة أن موجة التضخم لم تعد تحت السيطرة بالكامل، ولا يزال الغلاء يهدد الاقتصادات الكبرى بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية والحروب وموجات الجفاف وقفزات أسعار القمح والمعادن والسلع الرئيسية.
صحيح أن التضخم والضغوط السعرية قد تراجعا بما يكفي، خاصة داخل الولايات المتحدة وأوروبا، لتبدأ البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، ولكن لا تزال مؤشرات التضخم الحالية غامضة وغير مشجعة على إطلاق موجة خفض سريع وعميق للأسعار على مستوى العالم، حتى لا تحدث انتكاسة للجهود الجبارة التي قامت بها تلك البنوك في السنوات الماضية، لمحاصرة غول التضخم الذي سبب إرباكاً شديداً للاقتصادات الكبرى وموجات ركود وكساد وانكماش وتعثر وإفلاس وبطالة وتفاقم في الدين العام وعجز في الموازنات العامة وتراجع معدلات النمو وغيرها.
لكن في كل الأحوال قد يتبع خطوة البنك الأوروبي خفض سعر الفائدة تخفيضات أخرى ليس بالضرورة أن تتم الشهر المقبل أو خلال هذا الصيف، لكنها ستتم في كل الأحوال، وهذا الأمر قد تكون له تأثيرات إيجابية على اقتصاديات دول جنوب وشرق البحر المتوسط، ومنها مصر وتونس والجزائر والمغرب وليبيا ولبنان والأردن، وهي الاقتصادات التي ترتبط بالاقتصاد الأوروبي وتجارته الخارجية وخريطة استثماراته.
أي خفض عميق في سعر الفائدة على اليورو سينعكس على الاقتصادات الأوروبية من حيث خفض كلفة الأموال والقروض ودعم تعافي الاقتصاد وإنعاش أسواق المال والبورصات، وهو ما يفيد المواطن، خاصة إذا ما واكبه خفض في الأسعار وكلفة المعيشة، ومن ثم إتاحة الفرصة لزيادة إنفاق الأوروبي على بند الترفيه والسياحة الخارجية والداخلية والصحة والتعليم، وهنا تكون مصر وتونس من أكبر المستفيدين من تدفق السياحة الأوروبية على سواحل البحرين المتوسط والأحمر.
كذا، وإن خفض الفائدة داخل أوروبا سيدفع مؤسسات مالية داخل القارة للبحث عن فرص استثمار خارجية، خاصة في دول تمنح أسعار فائدة عالية ولديها فرص استثمار جاذبة، وهنا ستتدفق الاستثمارات المباشرة والأموال الساخنة على دول مثل مصر وتركيا.