مصطفى عبد السلام يكتب: سر سحب جيش الاحتلال 5 ألوية مقاتلة من غزة
صحيح أن ملف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية يشكل ورقة ضغط كبيرة على حكومة نتنياهو المتطرفة، ويثير من وقت إلى آخر موجات احتجاج وغضب شعبي ضد سياسات الحكومة الفاشلة.
لكن ملف الكلف الاقتصادية الباهظة التي تتحملها دولة الاحتلال جراء الحرب على قطاع غزة، والبالغة حتى الآن نحو 52 مليار دولار أو يزيد، ربما تكون أكثر أهمية وأولوية لدى تلك الحكومة الفاشية التي لم تحقق نجاحات على الأرض سوى تسوية قطاع غزة بالأرض وقتل آلاف الأطفال والنساء.
الواقع يقول إن نتنياهو يضرب عرض الحائط بملف الأسرى طوال فترة تقارب ثلاثة أشهر، صحيح أنه يلتقي بأسرهم من وقت إلى آخر، ويخرج على مؤيديه والرأي العام بتصريحات تطمئن الجميع على حياة الأسرى رغم قتل بعضهم بأيدي جيش الاحتلال، لكنه في نفس الوقت لم يتخذ خطوات جديدة لتحريرهم.
هذا التجاهل والمراوغة من قبل نتنياهو من الصعب أن يمتد إلى الملف الاقتصادي المعقد، الذي من المتوقع أن يدخل البلاد في حالة انكماش كبير يصل إلى 11% في الثلاثة أشهر الأخيرة، وإفلاس لبعض القطاعات الحيوية، وضعف شديد في صمود الإيرادات العامة وموارد النقد الأجنبي أمام طوفان الخسائر الفادحة.
وتوقعات قاتمة لقطاع الأعمال ومناخ الاستثمار والقطاعات الحيوية، بما فيها التقنية المتطورة، وصعوبة تأقلم الموازنة العامة والمواطن مع تبعات حرب غير مسبوقة تصاحبها حالة لايقين وغموض على كل المستويات، وزيادة عجز الميزانية إلى 3 أمثاله تقريبا.
إذا، لا يستطيع نتنياهو تجاهل ملف الاقتصاد الحساس لكل الشارع الإسرائيلي في ظل الكلف العالية للعتاد العسكري والمجهود الحربي، والحاجة إلى أموال لا تقل عن 50 مليار شيكل أخرى (14 مليار دولار) في عام 2024، في حال امتداد الحرب لشهرين إضافيين حتى نهاية فبراير المقبل.
أيضا، تضغط على حكومة نتنياهو الضربات المتلاحقة التي تتعرض لها الصادرات الخارجية لدولة الاحتلال، وحالة الشلل التي تتعرض لها كل الأنشطة الاقتصادية بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية والأمنية مع طول فترة الحرب، وهروب المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء، واستدعاء 360 ألفاً للالتحاق بالجيش كجنود احتياط، علما أن هؤلاء يشكلون رقما صعبا في حجم العمالة داخل قطاع التكنولوجيا، الذي يمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.
كما تشكل هجمات الحوثي تهديداً مباشراً وقوياً لتجارة وأسواق دول الاحتلال ووارداتها من السلع الأساسية والمعيشية، بخاصة في ظل زيادة حدة التوتر والمواجهة داخل البحر الأحمر بين القوات اليمنية والغربية.
هذه الضغوط والكوارث الاقتصادية قد تدفع حكومة نتنياهو إلى التعجيل بقرار وقف القتال في غزة، والدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس والتخلي عن سياسة الإبادة التي مارسها جيش الاحتلال على مدى ما يقرب من 3 أشهر، بخاصة أن المساعدات الاقتصادية الخارجية التي كان يأمل وصولها لتخفيف كلفة الحرب لم تصل بعد.
صحيح أن المفاوضات المتوقعة قد تؤدي إلى هدنة متوسطة أو طويلة، لكنها في كل الأحوال لن تعيد التوازن والحيوية للاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب والمتوسط، ولن تعيد المستثمرين والسياح الفارين.
ولن تعيد مليارات الدولارات الهاربة من البنوك والبورصة الإسرائيلية، حتى مشروعات التطبيع من المتوقع أن تدخل البيات الشتوي لفترة مع احتقان الشارع العربي وغضبه الشديد من الأنظمة المتواطئة مع الحكومة الصهيونية.
وربما يكون قرار جيش الاحتلال الإسرائيلي تقليص قواته الموجودة في قطاع غزة، وسحب 5 أولية مقاتلة من العمليات البرية في غزة، وتسريح أكبر عدد ممكن من قوات الاحتياط لإعادة الحياة إلى الاقتصاد المشلول بسبب الحرب، هو النتيجة الطبيعية التي خلصت إليها حكومة الاحتلال.
ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده على الإطلاق، فعندما تنتهي الحرب وتتراجع المخاطر وتبدأ المحاسبة، سيكتشف المواطنون الإسرائيليون أن خسائر الاقتصاد أضخم مما توقعوا، وأن الكلفة التي سيتحملونها من جيوبهم أكبر من إمكانياتهم، وأن الحكومة لن تعوضهم عن الخسائر التي تكبدوها خلال فترة الحرب.
وفي حال تعويضهم، فإنها ستسترد التعويضات في شكل زيادات في الضرائب والأسعار، وربما يكتشف المواطن معها الحجم الحقيقي لخسائر جيش الاحتلال البشرية من القتلى والمصابين.