مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: صدمة خفض «موديز»

إبان حملته في الانتخابات الرئاسية الأولى، وعد دونالد ترامب الأمريكيين بمواجهة واحدة من أبرز الأزمات الاقتصادية، وهي التخلص من الدين العام والقضاء عليه، وقال لصحيفة واشنطن بوست في العام 2016 إنه يمكن أن يجعل الولايات المتحدة خالية من الديون على مدى ثماني سنوات.

وغادر ترامب فترته الرئاسية الأولى في العام 2021، وبدلاً من أن يضع حداً لتلك الأزمة المزمنة، ارتفع الدين العام للولايات المتحدة بنسبة 39%، ليصل إلى 27.75 تريليون دولار بنهاية فترة ولايته، بزيادة تبلغ نحو 7.1 تريليونات دولار.

ووصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تراوحت بين 108 و109%. وارتفع عجز الموازنة الفيدرالية بنسبة 50% تقريباً، ليصل إلى ما يقرب من تريليون دولار. وكان من أبرز أسباب تلك القفزة الزيادات الكبيرة في الإنفاق الحكومي، والتخفيضات الضريبية لعام 2017.

وعقب فوزه في الانتخابات الأخيرة حاول ترامب تدارك الأمر، حيث اتخذ خطوات سريعة لمواجهة تفاقم الدين العام، والذي يتجاوز حالياً 36.2 تريليون دولار ومن المتوقع أن يقفز إلى 40 تريليوناً بنهاية العام، أو على الأقل الحد من خطورته.

ومع توليه منصبه طرح القضية أولوية قصوى لإدارته، وعمل على محاور عدة، الأول زيادة الرسوم الجمركية على واردات كل دول العالم بهدف جمع حصيلة ضخمة توجه لعلاج العجز المزمن في الموازنة، والثاني خفض الإنفاق الحكومي والمساعدات الداخلية والخارجية، وكلف الملياردير إيلون ماسك بمهمة إصلاح شامل للحكومة الفيدرالية والموازنة العامة، والثالث جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية سواء المباشرة أو لأدوات الدين الحكومية.

وعلى الرغم من أنه حقق نجاحاً في ملف الرسوم الجمركية، حيث ساهمت زيادتها في تخفيف بعض الاختلالات المالية الشهر الماضي، إلا أنه تعرض لصدمات عنيفة، الأولى هي ارتفاع حجم الدين العام للولايات المتحدة 541.8 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة، ومعها باتت الولايات المتحدة تُعاني من عجز ضخم في الميزانية بلغ 1.05 تريليون دولار.

والصدمة الثانية تمثلت في رفض بنك الاحتياط الفيدرالي الشديد لضغوط ترامب الرامية لخفض سعر الفائدة، وهو الأمر الذي كان يراهن عليه في خفض تكلفة الأموال الحكومية والدين العام والقروض المصرفية.

أما الصدمة الثالثة والأعنف فجاءت من وكالات التصنيف العالمية، حيث خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على خلفية تفاقم أزمة الدين العام وزيادة العبء المالي الذي تواجهه البلاد في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وكلفة الدين.

وهنا تكون الوكالات العالمية الثلاث اتفقت على خفض تصنيف أكبر اقتصاد في العالم من أعلى تقييم والبالغ “AAA”، حيث انضمت “موديز” إلى وكالتي فيتش وستاندرد آند بورز في قرار الخفض. وبسبب حساسية قرار موديز فقد شن البيت الأبيض ووزير الخزانة الأمريكي، سكوت بينست، هجوماً شرساً على الوكالة ومحاولة تشويه صورتها والتشكيك في تصنيفاتها.

هذه الصدمات الثلاث قد تسفر عن تعميق هوة الخلافات والصدامات بين ترامب والبنك الفيدرالي في الفترة المقبلة من جهة، وحدوث صدام بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونجرس بشأن مشروع خفض الضرائب، كما قد تسفر عن لخبطة في حسابات ترامب حيث كان يعتزم إنشاء صندوق ثروة أمريكي، تشكل الإيرادات المُحصّلة من الرسوم الجمركية على الواردات أساساً لإيراداته.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى