مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: عن موجة هروب الأموال من إسرائيل

يوماً بعد يوم، بات الإسرائيلي ينظر إلى المستقبل على أنه بالغ القتامة، وأنه لا أمل في عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، وأن ثقته باتت شبه منعدمة في مستقبل الدولة وحكومتها واقتصادها وقطاعها المالي والمصرفي وعملتها.

دليل ذلك موجة نزوح الأموال المتواصلة والضخمة والتي باتت تتم بشكل جماعي من داخل دولة الاحتلال منذ انطلاق الحرب على غزة، والإقبال الشديد على تهريب الأموال أو تحويلها من البنوك والبورصة الإسرائيلية إلى الخارج، وشراء أصول وأسهم وذهب وجنسيات في دول مثل الولايات المتحدة والبرتغال وقبرص واليونان.

بل صار الإسرائيليون يلجؤون إلى طرق احتيال لتسهيل تهريب أموالهم من الداخل إلى الخراج عبر الاستثمار المكثف في ملاذات آمنة والبورصات الأميركية والأوروبية، وفتح حسابات مصرفية في البنوك الغربية، والحصول على قروض خارجية، وشراء عقارات وأراض، والحصول على الإقامة والجنسية في بلد آخر.

وبسبب تنامي تلك الظاهرة الخطيرة وتحول هروب رأس المال إلى موجة وظاهرة جماعية، تعالت الأصوات داخل دولة الاحتلال المطالبة بوضع قيود على عمليات التحويل، بل منع كل أشكال التهريب وطرقه، والتي قد تؤدي بالاقتصاد إلى الانهيار التام كما حدث مع بلدان أخرى.

تزيد موجة وعمليات هروب الأموال تلك مع إخفاق جيش الاحتلال في حسم الحرب لصالحه سواء داخل غزة أو في جنوب لبنان، وتزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، مع زيادة وتيرة المواجهات بين طهران وتل أبيب، أو بين إسرائيل ولبنان، وانفلات العجز المالي وتكاليف الحرب الباهظة، ومخاوف متزايدة من امتداد الحرب الحالية لتصل إلى إسرائيل كلها، بما فيها القدس المحتلة وتل أبيب، المركزان التجاريان والسياحيان الرئيسيان.

كما أن إسرائيل تمر ولأول مرة بأطول حرب وأعلاها تكلفة في تاريخها كما يقول أعضاء في حكومتها المتطرفة. وبات خبراء الاقتصاد الإسرائيليون على قناعة بأن الأسوأ لم يأت بعد، وأنهم مستسلمون لتدهور الأمور إلى الأسوأ.

حتى لو وضعت الحرب أوزارها فإن المستثمرين وأصحاب المدخرات والأموال غير متأكدين من قدرة إسرائيل على التعافي الاقتصادي، والإفلات من مخاطر الركود، وسد هوة عجز الموازنة القياسي، في ظل الضغوط المالية الكبيرة الناتجة عن تكاليف الحرب، ومعاناة القطاع المالي والتجاري، وزيادة عمليات هروب الأموال بطريقة كبيرة وسريعة وغير مشروعة بسبب حالة عدم الاستقرار وزيادة المخاطر الجيوسياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وانعدام الثقة في الدولة العبرية، وتراجع التصنيف الائتماني، وتدافع المستثمرين المحليين والأجانب نحو الخارج، وتهاوي الاستثمار المباشر، خاصة في قطاعات حيوية مثل قطاع التقنية وتكنولوجيا المعلومات.

حالة عدم الثقة الواسعة تلك يمكن رصدها بسهولة في عدة مؤشرات،

الأول: زيادة حالات نزوح الأموال من إسرائيل، فالبنوك الإسرائيلية تعاني هروب المدخرات. والبنوك الثلاثة الكبرى رصدت زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، وفق تقرير حديث عن مجلة ذا إيكونوميست البريطانية.

الثاني: قفزة التحويلات المالية من إسرائيل إلى الخارج بما يصل إلى سبعة أضعاف منذ اندلاع الحرب، ووفق بيانات صادرة عن شركة Trading Economics المتخصصة في الاستشارات المالية الدولية فإنه في عام 2023، تم تحويل نحو 5.6 مليارات دولار من إسرائيل إلى الخارج، بما يعادل سبعة أضعاف التحويلات التي جرت في الأشهر الستة السابقة للحرب.

الثالث: ما كشفته وسائل إعلام عبرية هذا الأسبوع، عن تسجيل قفزة كبيرة في هروب رؤوس الأموال من دولة الاحتلال للاستثمار في الخارج. فوفق تحليل نشره موقع «كالكاليست» الاقتصادي العبري، أمس الأحد، فإن تدفق رؤوس الأموال من إسرائيل إلى الخارج قفز بنسبة 62% خلال العام الأول للحرب، وهناك انخفاض حاد في الاستثمارات المباشرة، وإن هذا الأمر كان له تداعيات على ديناميكية الأنشطة الاقتصادية في إسرائيل، وإضعاف قيمة الشيكل والضغط على احتياطي النقد الأجنبي.

الرابع: حولت المؤسسات العاملة داخل إسرائيل إلى الخارج أموالاً تصل إلى نحو 151 مليار شيكل (40.4 مليار دولار) منذ بداية أكتوبر 2023، وفق بيانات مالية أوردها «كالكاليست» أيضاً، منتصف شهر سبتمبر الماضي.

الخامس: لأول مرة، منذ فترة طويلة، تم تسجيل صافي استثمار مباشر سلبي في الربع الأول من عام 2024، إذ استثمر الإسرائيليون في الخارج أكثر من استثمار الأجانب في الداخل، والتي انخفضت إلى النصف من 12 مليار دولار في عام 2023 إلى 6 مليارات دولار في عام 2024.

السادس: زيادة استثمارات الإسرائيليين في البورصات الأميركية “وول ستريت”، وتضاعف تلك الاستثمارات في مؤشر الأسهم الأميركية “ستاندرد آند بورز 500” والذي يضم أكبر الشركات في الولايات المتحدة بأكثر من الضعف منذ اندلاع الحرب، وكذا الحال في ما يخص المؤشرات الأخرى. وهذا الأمر يمثل مخاطر على بورصة تل أبيب وضغطاً على الشيكل والاقتصاد الإسرائيلي.

مصطفى عبد السلام
كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *