مصطفى عبد السلام يكتب: قطع الكهرباء وخلط الأوراق وتزييف الحقائق
لا داعي لخلط الأوراق وتزييف الحقائق عند الحديث عن أزمة الكهرباء المستعصية على الحل، ولا داعي لوضع أسباب قطع الكهرباء ببعض الدول في سلة واحدة عند الحديث عن أزمة انقطاع التيار في مصر، فهناك فارق كبير بين أمرين، قطع لأسباب طبيعية وخارجة عن الإرادة مثل ارتفاع درجة الحرارة، وقطع لأسباب تتعلق بقصور في السياسات الحكومية المطبقة.
بداية، تعاني بعض دول العالم من انقطاعات مؤقتة في التيار الكهربائي، على خلفية التغيرات الحادة في المناخ والطقس الأكثر تطرفاً والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، بالتزامن مع بدء فصل الصيف، وهي التغيرات التي تضغط بشدة على البنية التحتية لمشروعات الطاقة، ومنها محطات إنتاج وتوليد الكهرباء، كما ترفع الطلب على مشتقات الوقود، بخاصة المطلوبة لتشغيل أجهزة التكييف والتبريد وغيرها، وبالتالي زيادة أسعارها.
ومن الطبيعي قطع الكهرباء، وتخفيف الأحمال لفترة وجيزة لأسباب تتعلق بزيادة درجات الحرارة، وأحدث مثال على ذلك ما حدث في دول عدة خلال الأيام القليلة الماضية، ومنها الكويت، وتونس، وبريطانيا، ودول البلقان مثل الجبل الأسود، وكرواتيا، وبولندا، والبوسنة والهرسك، وغيرها.
ومن المنطقي أن يجري قطع الكهرباء عن المستهلك لأسباب مناخية تتعلق بالعواصف والأعاصير القوية التي قد تسبب حرائق تهدد منشآت توليد الكهرباء وغيرها من المرافق العامة، فهذا أمر عادي كما حدث في العراق قبل أيام، وقد يحدث قطع التيار بسبب أعطال ومشاكل فنية في شبكة توزيع الكهرباء، كما حدث في الإكوادور مؤخرا.
أما أن يجري قطع الكهرباء ولفترات طويلة بسبب نقص في إمدادات الوقود المطلوبة لتشغيل محطات التوليد والإنتاج، ومنها الغاز والسولار والبنزين والمازوت، أو بسبب ندرة في النقد الأجنبي المطلوب لتمويل واردات الغاز وغيره من مشتقات الطاقة، أو بسبب قلة الاستثمارات التي تضخها الدولة في قطاع الطاقة، أو بسبب إهمال مشروعات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة والبديلة، مثل الطاقة الشمسية والرياح وغيرها، فهذا أمر غير مقبول من وجهة نظر المواطن.
إذ إن أسباب قطع التيار هنا حدثت نتيجة أخطاء الحكومات وقر نظرها وافتقادها رؤى مستقبلية، وليس لأسباب خارجة عن الإرادة كعوامل المناخ وغيرها، وهنا تكون السلطات الحاكمة هي المسؤولة بدرجة أولى عن الأزمة، ذلك لأنها لم تضع سيناريوهات مستقبلية لمعالجة العجز، سواء في النقد الأجنبي أو مشتقات الوقود نفسها، وذلك قبل حدوثه.
ولم تبادر بأخذ الحيطة والحذر قبل وقوع المشكلة، ولم تطلع المواطن على حقيقة الأزمة وعمقها وطول فترة معالجتها، بل راهنت على ترحيل الأزمة، ودفع المستهلك إلى التعامل معها على أنها أمر واقع، بل والترويج على نطاق واسع بأنها أزمة عالمية على غير الحقيقة.
هناك فارق كبير بين الانقطاع المؤقت للكهرباء، بمعنى أن يحدث مرة أو مرتين أو حتى عدة مرات خلال السنة، وبين الانقطاع المفاجئ لأسباب فنية أو قهرية، وهو أمر يحدث عادة بسبب التغيرات المناخية، وموجات الحر الشديدة، والحرائق، وقوة الرياح الشديدة، وبين الانقطاع المتكرر للتيار، وعدم وجود أفق للحل، وهو أمر يرتبط عادة بالفشل الحكومي في معالجة الأزمة، لأن معظم دول العالم تشهد استقراراً في التيار الكهربائي، وهناك دول تمر بحالة حروب، ونزاعات مسلحة، وصراعات جيوسياسية شرسة، لا تشهد انقطاعات في الكهرباء من الأصل.
الكهرباء ليست رفاهية، بل خدمة ضرورية وحياتية لا يمكن الاستغناء عنها، وقطعها يربك حياة الأفراد والمؤسسات وأنشطة الاقتصاد معاً، ويؤثر سلباً في المرافق مثل المستشفيات والمدارس والمنازل ومترو الأنفاق ومحطات إنتاج المياه والصرف الصحي، ولذا لا داعي لخلط الأوراق، ووضع أسباب قطع الكهرباء في سلة واحدة عند الحديث عن الأزمة المتصاعدة.