مصطفى عبد السلام يكتب: ليبيا الثرية تئن تحت إعصار «دانيال»
على مدى ما يقرب من عقد كامل شهدت ليبيا حرباً أهلية شرسة، ونزاعات مسلحة بين الشرق والغرب، ومخاطر أمنية وجيوسياسية واقتصادية ومالية متواصلة.
نتج عن الصراع المسلح حدوث انقسام سياسي حاد في البلاد وولادة حكومتين؛ واحدة في الشرق يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأخرى منتخبة في العاصمة طرابلس معترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
تسبب هذا الصراع الدموي الذي غذّته أطراف إقليمية ودولية بالمال والسلاح في حدوث تهاوٍ للعملة المحلية؛ الدينار، مقابل الدولار، ونزيف كبير لموارد وثروات البلاد، وتردي البنية التحتية من شبكات طرق ومياه وكهرباء وصرف وغاز واتصالات وكباري وأنفاق، وإهمال للقاعدة الصناعية والقطاع الزراعي، وفشل ذريع في استرداد الأموال المنهوبة في الخارج والتي تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار.
إضافة إلى حدوث انقسام حاد داخل مؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة العسكرية والبنك المركزي ومؤسسة النفط والأجهزة الرقابية وغيرها، وتفشي الفقر والبطالة والعشوائيات والفساد في المؤسسات الحكومية، وهدر المال العام مع إعداد موازنتين في البلاد لحكومتين منفصلتين.
واكب هذا الفشل أيضاً تردي الأحوال المعيشية للمواطن الليبي الذي تعوم بلاده على بحار من النفط والغاز، وتتدفق عليها إيرادات تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، وتعد قليلة السكان نسبياً.
ففي ظل انقسام الحكومات المتعاقبة وانشغالها بالتناحر والاقتتال تعرض المواطن لموجات غلاء غير مسبوق في الأسعار، واختفاء لسلع رئيسية، وتراجع فرص العمل المتاحة، خاصة للشباب، وتهاوي الإنتاج المحلي، وزيادة اعتماد الأسواق على الخارج في تموينها بالسلع الرئيسية، وتردي الوضع الأمني، وتوقف التخطيط العمراني.
ببساطة تحولت ليبيا الثرية خلال السنوات الماضية إلى دولة بائسة تعيسة بالنسبة لشعبها الذي بات يئن مثل باقي الشعوب الفقيرة والمغلوب على أمرها.
الآن، تحصد ليبيا ثمار ليس فقط 10 سنوات من التناحر العسكري والخلاف السياسي، ولكن حصاد ما يزيد عن نصف قرن من التخلف وسياسة التفقير، وسرقة وبعثرة ثروات الدولة وتهريبها إلى الخارج، وإهدار المال العام، وإنفاق مليارات الدولارات على مشروعات فنكوشية ليس لها أي مردود على الدولة واقتصادها والمواطن.
فقد حكم معمر القذافي ليبيا ما يزيد عن 42 سنة، ورغم طول تلك الفترة وتدفق مئات المليارات من الدولارات على البلاد سنوياً، إلا أن المواطن لم ينله من تلك الأموال سوى الفقر والغلاء والذل والبطالة، وتردي الخدمات العامة، وانهيارات في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والصناعة والدفاع.
الآن، الشعب الليبي يئن بشدة في شرق البلاد حيث تعرض لموجة فيضانات عنيفة وسيول عارمة جرفت ما تبقى من بنية تحتية، وهدمت بيوتاً وأحياء سكنية بالكامل، وتحولت درنة وغيرها من المناطق الشرقية إلى مدن أشباح تتناثر فيها الجثث، وشهدت المنطقة مأساة إنسانية راح ضحيتها ما يزيد عن 5300 قتيل و10 آلاف مفقود، و30 ألف مشرد.
فاقم من الوضع الإنساني وتأخر إنقاذ الضحايا ضعف الاستعدادات لدى الجهات المسؤولة في بني غازي وطبرق والبيضاء ودرنة وما حولها، وانعدام الأموال والمخصصات المالية الموجهة لمشاريع التنمية منذ عام 2014 حيث تم توجيهها لتمويل المجهود الحربي، وانشغال تلك الجهات لسنوات طويلة في حرب قادها حفتر لمصالح شخصية ولصالح أطراف خارجية.
فكل ما كان يهم اللواء المتقاعد ليس تحسين الأحوال المعيشية للمواطن في المناطق التي كان يسيطر عليها، وتطوير البنية التحتية من مرافق وشبكات طرق وتصريف مياه الأمطار وإقامة سدود، بل الاستيلاء على حكم ليبيا وخلافة القذافي وتوريث البلاد لنجله صدام.