مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: مخاطر زيادة أسعار الوقود في مصر

رفعت الحكومة المصرية، يوم الجمعة، أسعار كل أنواع الوقود للمرة الثانية في ستة أشهر، لم تقتصر الزيادات على نوع واحد، أو نشاط بعينه، بل امتدت إلى كلّ الأنواع، الجماهيرية ومنها المشتقات البترولية مثل البنزين والسولار، وأسطوانات البوتاجاز، سواء المنزلي أو التجاري والتي شهدت أسعارها قفزة حيث زادت بنسبة 33% مرة واحدة، أو المشتقات الصناعية، حيث زادت أسعار طن الغاز الصب والغاز المستخدم في قمائن الطوب، وسعر المازوت المستخدم في القطاعات الصناعية.

الزيادات الجديدة صدمت الرأي العام في مصر أفراداً أو مستثمرين وعاملين في القطاع الصناعي والتجاري، ذلك لأنها تأتي في وقت تتهاوى فيه أسعار النفط في الأسواق الدولية وتراجعت بنسبة 15% خلال أسبوع واحد وعقب فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على دول العالم، كما تأتي في ظل توقعات قوية بحدوث ركود للاقتصاد العالمي ومنها الاقتصاد الأميركي، وهو ما يعني تراجع الطلب على مشتقات الطاقة خاصة من قبل الصين أكبر مستهلك، ومن هنا خرجت علينا بنوك استثمار دولية بتوقعات تهاوي أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل.

الحكومة المصرية، من جانبها، دافعت عن القرار الصادم، وراحت تبرره بمبررات عدة، منها مثلاً أن الزيادة الجديدة في أسعار الوقود وأسطوانات البوتاجاز والبنزين والسولار ستؤدي إلى توفير نحو 35 مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي 2024- 2025، أو أن الخطوة تأتي في إطار خطة الدولة لخفض الدعم المقدم للوقود، أو أن الزيادات تأتي في اطار التزامات الحكومة مع الدائنين الدوليين، وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي مقابل الإفراج عن الشريحة الرابعة من القرض المتفق عليه والبالغ قيمتها 1.2 مليار دولار، إضافة إلى قرض استثنائي آخر بقيمة 1.3 مليار دولار.

وأيّاً كانت المبررات التي تسوقها الحكومة والداعمون لها فإن المخاطر الناتجة عن زيادة أسعار الوقود والكلفة الباهظة لتلك الزيادة سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية تفوق كثيراً ما تحصده الموازنة العامة من مبلغ يراوح ما بين 700 مليون و1.1 مليار دولار،

وإن تبعات الزيادة ستكون كارثية سواء على المواطن أو الاقتصاد أو الدين العام وموازنة الدولة،

وإنها تفتح الباب على مصراعيه لأزمات معيشية طاحنة،

ومعاناة جديدة للمواطن والمستثمر معاً، واضطرابات في الأسواق سواء كانت السلع والخدمات والمواد الخام أو الصرف.

مخاطر اقتصادية

من المتوقع أن تعيد الزيادة الجديدة في أسعار الوقود شبح التضخم إلى الأسواق مرة أخرى،

وهو ما يهدد كل خطط الحكومة أو البنك المركزي المصري الرامية إلى مواجهة هذا الشبح

بسبب مخاطره الشديدة على الاقتصاد واستقرار الأسعار والقطاعات الإنتاجية والقطاع المصرفي ومدخرات المصريين.

ذلك أن التضخم العالي داخل المجتمع المصري يعني تهديداً مباشراً للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء،

وتعثر خطط الحكومة الرامية إلى جذب استثمارات أجنبية، وتآكل مدخرات المصريين،

وتعويمات جديدة للعملة المحلية والضغط مجدداً على الجنيه المصري وإضعاف قيمته مقابل الدولار،

وانتشار عمليات شركات توظيف الأموال وتفشي حوادث النصب والاحتيال على المصريين.

ونظرة إلى ارتدادات الزيادة الأخيرة في سعر الوقود على الأسواق المحلية نجد أن هناك طفرة حدثت بالفعل في أسعار كل شيء أعقبت القرار الحكومي،

فقد زادت تكلفة النقل والخدمات اللوجستية والمواصلات العامة والتاكسي الأبيض والميكروباص والنقل الجماعي والتيك توك والنقل البري للبضائع.

ومن المتوقع أن تزيد تذاكر القطارات والمترو في وقت لاحق.

وأن تمتد الزيادات إلى أسعار الأدوية والمياه والكهرباء والصرف الصحي وإيجار السكن واللحوم والدواجن ومواد البناء والسجائر وتكلفة المعيشة بشكل عام.

كما أن زيادة أسعار الوقود بصفة عامة، والسولار بصفة خاصة الذي يستخدمه أسطول النقل لنقل السلع التموينية والمحاصيل وغيرها،

سيضغط بشدة على أسواق السلع ومنها الغذائية والشعبية.

لا تتوقف الزيادات في الأسعار عند هذا الحد، فقد صدرت إشارات خطيرة توحي بأن الزيادة ستمتد إلى رغيف الخبز،

فهناك مخابز تتجه إلى تقليل وزن الرغيف ما بين 10 و20 غراماً، لتفادي تكبد خسائر مادية،

وتجنب اللجوء إلى رفع الأسعار بشكل أكبر على المستهلكين. وربما ترفع الحكومة في وقت لاحق سعر رغيف الخبز.

كما شهدت الأسواق موجة غلاء جديدة لأغذية المصريين بدأت برفع فوري لسعر الخبز الحر والسلع الغذائية والمشروبات والشحن ومستلزمات الإنتاج، لتنقل زخمها إلى أسواق السلع وكل الخدمات، خلال الشهرين المقبلين.

مخاطر مالية

تمثل الزيادة الجديدة في أسعار الوقود في مصر مخاطر للموازنة العامة للدولة،

ويكفي القول إن زيادة أسعار السولار تكبد سكك حديد مصر وحدها 1.2 مليار جنيه،

وتزيد التكلفة في حال احتساب كلفة وقود وسائل النقل الأخرى مثل مترو الأنفاق وأتوبيسات النقل العام والنقل الجماعي وغيرها،

هذه تكاليف ستتحملها الموازنة العامة للدولة.

ومع توقعات عودة شبح التضخم إلى الأسواق سيحافظ البنك المركزي على مستويات أسعار الفائدة العالية،

وهو ما يرهق الموازنة العامة.

ووفق تقديرات وزير المالية أحمد كوجك فإن رفع سعر الفائدة بمعدل 1% يرفع العبء المالي على الموازنة العامة للدولة بقيمة 70 مليار جنيه،

وهو ما يؤدي إلى ارتفاع فاتورة مدفوعات الفوائد وحجم الدين العام ويؤثر سلبياً على عجز الموازنة.

كما أن التضخم المرتفع يضغط على الجنيه المصري، ويزيد معدلات الدولرة داخل المجتمع ويدفع المضاربين نحو التخلي عن العملة المحلية،

وهو ما يزيد التوتر داخل سوق الصرف الأجنبي والطلب على حيازة النقد الأجنبي،

وإذا ارتفع سعر الدولار إلى 52 جنيهاً، وهو أمر محتمل، فإن هذا يكلف موازنة الدولة نحو 320 مليار جنيه،

إذ إن كل زيادة بقيمة جنية في سعر الدولار تكلف الموازنة 160 مليار جنيه،

فما بالنا بتقديرات تتحدث عن زيادة السعر إلى ما أكثر من 52 جنيهاً؟

مخاطر اجتماعية

بخلق موجة غلاء جديدة في المجتمع تضغط الزيادات الجديدة في أسعار الوقود على المواطن، وتقضي على ما تبقى من طبقة وسطى،

وترفع معدلات الفقر والبطالة والهجرة وحالات السرقة والطلاق والانتحار والجريمة داخل المجتمع،

كما ترفع من معدلات التقزم والإصابة بالأنيميا والأمراض المتعلقة بفقر الدم ونقص التغذية والمناعة،

كما تحدث موجات الغلاء هزات وقلاقل عنيفة داخل المجتمع.

مخاطر سياسية

ترفع قرارات زيادة أسعار الوقود وغيرها من السلع حالة الاحتقان داخل المجتمع وحدة الغضب بين رجل الشارع، وتغذي الطبقية،

وهو ما يمثل خطراً على النظام السياسي القائم في الدولة خاصة مع زيادة منسوب المخاطر الجيوسياسية والأمنية داخل المنطقة،

وتنامي روح الغضب الشديد تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها دولة الاحتلال ضد أهالي غزة.

السؤال هنا هو:

هل ما تحصده الحكومة من عائد يبلغ 35 مليار جنيه مقابل زيادة سعر الوقود يعادل تلك المخاطر الشديدة الناتجة عن ذلك القرار الكارثي،

وما مصير تلك العوائد، هل ستعود بالنفع على المواطن المتضرر،

أم تذهب لتمويل مشروعات لا علاقة للمواطن بها أصلاً ولا تمثل أي قيمة مضافة للاقتصاد؟

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى