مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: من يسدد تلال الديون المصرية، ومتى؟

يوماً بعد يوم يزيد العبء الملقى على كاهل المواطن المصري في سداد أعباء الدين الخارجي والمحلي، فالحكومة ترفع الضرائب والرسوم بشكل متواصل، لأن جزءا كبيرا من تلك الحصيلة وغيرها من إيرادات الدولة يذهب لسداد تلك الأعباء من أقساط وفوائد والتي تتجاوز قيمتها 1.3 تريليون جنيه، أي ما يعادل 42.31 مليار دولار، خلال العام المالي الحالي.

والحكومة ترفع أسعار سلع رئيسية من سكر وأرز وغيره ومواصلات عامة، وتخفض الدعم المقدم لسلع وخدمات رئيسية مثل البنزين والسولار والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه، لأن جزءا من تلك الحصيلة يذهب لغرض سداد أعباء الدين العام.

ويتكرر السيناريو مع توسع الحكومة في بيع أصول الدولة من بنوك وشركات وأراض للمستثمرين العرب والأجانب، ورهن أصول أخرى.

وعلى الرغم من تعهدات سابقة بعدم التوسع في الاقتراض الخارجي بعد أن تجاوز حجم الدين 165 مليار دولار في نهاية شهر مارس الماضي، وأنه لا اقتراض إلا لمشروعات تدر عائدا دولاريا، إلا أن الحكومة تواصل سياسة الاغتراف من الخارج.

وبذك تضرب الحكومة عرض الحائط بكل التحذيرات المحلية والدولية من هذا السلوك المالي المعيب الذي يرهق ميزانية الدولة، ويضغط بشدة على مواردها على المدى المتوسط والبعيد، ويستنزف احتياطي البلاد من النقد الأجنبي القائم أساساً على ودائع خليجية تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار. والأخطر رهن مقدرات الدولة وأصولها للدائنين الدوليين.

ولا يمر أسبوع إلا ويتم الإعلان من قبل الحكومة عن قرض جديد، أو التفاوض مع مؤسسات مالية دولية للحصول على قروض.

والملفت في الأمر أننا لا نعرف بدقة الغرض من الحصول على بعض القروض الدولارية، وأحياناً تذهب حصيلتها لتمويل مشروعات ليست بحاجة أصلا إلى نقد أجنبي، ولا تحتاج إلى مكون أجنبي سواء قطع غيار أو سلع وسيطة ومستلزمات إنتاج، وهذا أمر يطرح عشرات من علامات الاستفهام.

فمشروع مثل شق طريق أو إقامة مبانٍ سكنية وإدارية أو حتى فنادق وقصور في العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المدن الجديدة، ليس بحاجة إلى قروض خارجية لتمويل مثل هذه النوعية من المشروعات التي تحتاج فقط إلى مواد خام محلية مثل الإسمنت والحديد والطوب وغيرها من مواد البناء.

وإقامة أكبر دار أوبرا وأضخم مدينة ملاهٍ في الشرق الأوسط وشق نهر صناعي لا تحتاج إلى قروض دولارية، وحتى لو احتاجت فإن هذا ليس وقت تنفيذ مثل تلك المشروعات.

مثال ذلك مشروع إنشاء القطار الكهربائي السريع، الذي تبلغ كلفة المرحلة الأولى منه نحو 11 مليار دولار، وفي مايو الماضي وافق مجلس النواب المصري على قرضين جديدين بمبلغ ملياري يورو لتمويل المشروع الذي يبدأ من منتجع العين السخنة شرقاً، مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومدن السادس من أكتوبر وبرج العرب في محافظة الإسكندرية والعلمين الجديدة، وصولاً إلى مرسى مطروح غرباً.

وبنظرة للواقع الحالي نجد أن الحكومة تتفاوض حالياً للحصول على قروض ضخمة بمليارات الدولارات، فوزير المالية محمد معيط، كشف يوم الثلاثاء الماضي، أن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) سيقدم قرضاً إضافياً لمصر بقيمة مليار دولار.

وتتفاوض الحكومة مع بنك التصدير والاستيراد الصيني (إكزيم) للحصول على قرض بقيمة 400 مليون دولار، لتمويل المرحلة الثالثة من مشروع القطار الكهربائي الخفيف (LRT)، علماً أنّ البنك وافق في عام 2019 على قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لتمويل المراحل الأولية لإنشاء هذا المشروع.

وتجري الحكومة أيضاً محادثات لاقتراض نصف مليار دولار من الصين عبر إصدار سندات الباندا المقومة باليوان، وأمس السبت وافقت الحكومة على قرض مقدم من وكالة اليابان للتعاون الدولى (الجايكا) بقيمة 44 مليار ين (نحو 295 مليون دولار) لدعم برنامج الحكومة للتغطية الصحية الشاملة.

وتستعد الحكومة لاقتراض نصف مليار دولار من اليابان عبر إصدار جديد من سندات “ساموراي” بالين مدتها 5 سنوات.

ونهاية الأسبوع الماضي وافقت الحكومة على قرض مقدم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير بقيمة 400 مليون دولار، بغرض تمويل مشروع تطوير خط لوجستيات التجارة بين القاهرة والإسكندرية.

وتجري الحكومة محادثات مع بنك أبوظبي التجاري للحصول على قرض لتمويل مشتريات قمح من كازاخستان.

وقبلها حصلت الحكومة على قرض بقيمة 500 مليون دولار من مكتب أبوظبي للصادرات لتمويل شراء قمح تزرعه شركة إماراتية في مصر.

وبموازاة ذلك تسابق الحكومة الزمن لتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها تعويم الجنيه المصري وبيع مزيد من الأصول، حتى يتم الإفراج عن الشريحتين الثانية والثالثة من قرض وافق الصندوق على منحه لمصر بقيمة 3 مليارات دولار في نهاية عام 2020، كما تتفاوض للحصول على قروض أخرى من البنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى.

هذا عن القروض المعلنة، فنحن لا نعرف شيئا عن المفاوضات التي تجريها الحكومة للحصول على قروض من مؤسسات أخرى، منها البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية، وغيرها من المؤسسات التي قد لا نعرف نتيجة المفاوضات معها وحجم القروض الجديدة، وقد نعرف فقط عند إعلان الحكومة عن سداد مثل هذه القروض كما جرى في وقت سابق مع البنك الأفريقي.

الدين الخارجي لمصر يواصل ارتفاعه، ومصر باتت ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، والحكومة لم تعلن بعد عن رقم القروض التي حصلت عليها خلال الستة شهور الأخيرة، فرقم الدين المعلن يتوقف عند نهاية مارس الماضي.

ووعود الحكومة عن تشكيل لجنة لترشيد ملف الاقتراض من الخارج، وقصره فقط على المشروعات ذات الأولوية، ذهبت مع رياح الديون العاتية، وربما كانت نوعا من خداع المواطن الذي بات يتحمل وحده كلفة هذا السفه في الاقتراض، وتحميل الأجيال القادمة أعباء لا قبل لهم بها.

ولنا أن نتخيل أن الجزء الأكبر من إيرادات الدولة بات يوجه حاليا لسداد أعباء الديون، وحسب الأرقام الرسمية فقد ارتفعت مخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية في الموازنة الجارية للعام المالي (2023-2024) إلى نحو تريليون و315 ملياراً و914 مليون جنيه.

كما سددت مصر نحو 24.5 مليار دولار خلال العام الماضي ديوناً خارجية، مقابل 21.8 مليار دولار في 2021 وفق تصريحات أخيرة لوزير المالية محمد معيط.

ولنا أن نتخيل مدى استفادة الاقتصاد المصري والمواطن في حال توفير مثل هذا المبلغ الضخم، وقبل ذلك من حق الجميع أن يسأل: متى سيتم سداد كل هذه التلال من الديون الخارجية، ومن يتحل السداد سوى المواطن.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى