مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: من يقود العالم في السنوات المقبلة؟

بينما تغرق العديد من الدول العربية في أزمات التضخم والغلاء والديون والفساد والفقر والبطالة وإهدار المال العام، وتجاهل قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم وصناعة التكنولوجيا والطاقة المتجددة، فإن العالم مشغول بقضايا أهم وأخطر كثيراً، منها مثلاً رسم سيناريوهات تتعلق بمن سيقود العالم والاقتصاد الدولي في السنوات المقبلة؟

ومن ستكون له اليد العليا في السيطرة على أسواق السلع والمعادن والطاقة والتجارة الدولية والتكنولوجيا، من ستكون لديه أضخم احتياطيات من النقد الأجنبي والذهب، وما عملة الاحتياط الدولية الجديدة، أم سيظل الدولار متربعاً في أسواق العملات والصرف لسنوات طوال مقبلة؟ 

من يسيطر على الثروات، خاصة الكامنة في الدول الأفريقية والفقيرة، وهل سيظل صندوق النقد والبنك الدوليان يهيمنان على اقتصادات العالم ويحابيان الولايات المتحدة وكبار مؤسسيه ويذلان الدول النامية التي تلجأ إليهما طالبة قروضاً ومنحاً ومساعدات؟ 

هل ستظل الاقتصادات التقليدية، وفي مقدمتها الأميركي والبريطاني والألماني والفرنسي والياباني، التي تشكل دولها مجموعة السبع الصناعية الكبرى، هي المهيمنة على العالم وأسواقه وتجارته، أم الاقتصادات الصاعدة، وفي مقدمتها الصيني والهندي ودول البريكس والتي تضم إلى جانب بكين ونيودلهي كلاً من روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل؟ 

قبل عامين كانت التوقعات تصب تجاه ترشيح الاقتصاد الصيني لقيادة الاقتصاد العالمي، وأن تصبح الدولة الأسيوية العملاقة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم في غضون سنوات قليلة.

الصين تعترف بأنها تعيش أزمة اقتصادية والبورصة تتراجع

وكان متوقعاً، وفق دراسات ومؤسسات، أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة اقتصادياً بحلول عام 2028، وأن تحتل المركز الأول بدلاً من الثاني حالياً.

وفي وقت لاحق تم تأجيل تلك التوقعات حتى عام 2030، بسبب الظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد الصيني على خلفية مخاطر كورونا وبطء النمو الاقتصادي، والأزمة العنيفة التي يمر بها قطاع العقارات، والحرب التجارية الشرسة التي تشنها واشنطن منذ عام 2018 ضد الشركات والاقتصاد الصيني، والقيود الشديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على قطاع التقنية والاستثمارات الصينية في الأسواق الغربية. 

وحديثاً ظهرت توقعات أخرى لمؤسسات بحثية منها مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، ومقره إنكلترا، (CEBR) ترجح حدوث تأجيلات لتفوق الصين على الولايات المتحدة، وأن الأمر سيستغرق حتى عام 2036 حتى يتجاوز الإنتاج الصيني مثيله في أميركا. 

وما حدث خلال الفترة الماضية يجعل العالم يعيد النظر في التوقعات الخاصة بالصعود القوي والسريع للاقتصاد الصيني والذي بات يعاني من أزمات هيكلية قد تعوق حركة نموه في السنوات المقبلة وتؤثر بشدة على صادراته الخارجية واحتياطياته من النقد الأجنبي وقطاعات الحيوية. 

ومن أبرز تلك الأزمات الركود والمخاطر الجيوسياسية، خاصة المتعلقة بتايوان، وتصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتراجع الصادرات، وزيادة ديون قطاع العقارات والتي تجاوزت 300 مليار دولار في شركة واحدة هي ايفرغراند الحكومية. 

روسيا أيضاً تتراجع اقتصادياً على خلفية الصدمات العنيفة التي يتعرض لها اقتصادها منذ فبراير 2022 جراء العقوبات الغربية الخانقة عليه بسبب غزو أوكرانيا، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وتجميد أكثر من 300 مليار دولار من احتياطياتها النقدية في الخارج، ومحاولات الولايات المتحدة وأوروبا المستميتة خنق قطاع الطاقة بها والاستغناء كلية عن الغاز الروسي، وهو مصدر مهم لإيرادات الخزانة الروسية. 

كما عانى الاقتصاد الروسي بشدة من جائحة كورونا والانكماش والتضخم والمخاطر السياسية وتذبذب أسعار السلع بما فيها النفط والغاز.

وفي ظل تفاقم تلك الأزمات وغيرها من المتوقع أن تتراجع روسيا، إلى المرتبة 14 في قائمة أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2037 مقابل المرتبة التاسعة حالياً، خاصة في حال استمرار تأثيرات حرب أوكرانيا وتكاليفها الفادحة، سواء من جهة المجهود الحربي أو العقوبات الغربية. 

الهند مرشحة بقوة لقيادة الاقتصاد العالمي، وربما التفوق على الاقتصادين الأميركي والصيني خلال سنوات ليست طويلة، بعد أن أزاحت الاقتصاد البريطاني لتصبح هي القوة الاقتصادية الخامسة على مستوى العالم في عام 2021، وتتراجع بريطانيا إلى سادس أكبر اقتصاد في العالم، أو على الأقل أن تصبح واحدة من أكبر 5 اقتصادات في العالم بحلول نهاية العقد الحالي.

وفي السنوات القليلة المقبلة ربما نجد الهند ثالث قوة اقتصادية عظمى في العالم، مع قوة أرقام الناتج المحلي الإجمالي والصادرات الخارجية، وإمكانية تفوقها على المملكة المتحدة وألمانيا بحلول عام 2026 وربما تجاوز اليابان في عام 2032 وفق دراسات حديثة.

وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، من المُقرر أن يصبح الاقتصاد الهندي الأسرع نموا في العالم عام 2023، لكن الدولة الأسيوية الصاعدة بقوة تواجه أزمات كبيرة منها المخاطر الجيوسياسية المتنامية والتقلبات السياسية وتنامي التوترات العرقية خاصة بين المسلمين والهندوس، وانتشار الفساد والبطالة وغياب الديموقراطية، وبالتالي فإن الهند قابلة للاشتعال في أي وقت خاصة مع صعود قوى متطرفة داخل البلاد.

وفي ظل تلك الاعتبارات وغيرها فإنه يبدو أن الاقتصاد الأميركي قد يواصل قيادة العالم في السنوات المقبلة، وأن البديل قد يتأخر سنوات طوال.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى