مصطفى عبد السلام يكتب: هنا دمشق.. العالم يتحرك نحو سوريا
هنا دمشق التي تشهد هذه الأيام تحركات دبلوماسية واقتصادية نشطة، وتحولت إلى ورشة عمل مفتوحة وملتقى وفود رسمية وغير رسمية، وإلى مقر اجتماعات وزراء وممثلي دول عدة تسارع الخطى للمساهمة في إعادة إعمار سوريا واقتناص الكعكة الأكبر من مشروع مارشال الجديد في منطقة الشرق الأوسط.
هنا العاصمة السورية التي بات العالم يتحرك نحوها في محاولة، إما لدعم الاستقرار في واحدة من أهم دول المنطقة، وإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، وإما للتعرف على خطط وبرامج السلطات الجديدة والمخاطر التي تواجه الدولة عقب سقوط نظام الأسد، أو البحث عن صفقات جديدة في دولة لديها فرص استثمار جذابة وضخمة بخاصة في مجال البنية التحتية.
اليوم الثلاثاء، عادت حركة الطيران إلى مطار دمشق الدولي الذي استأنف تشغيل الرحلات الدولية، وبدأ الطيران الدولي يتجه نحو العاصمة، الخطوط الجوية القطرية استأنفت رحلاتها إلى دمشق بعد انقطاع دام 13 عاماً، وبعدها غادرت طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية الأردنية عمان متجهة إلى دمشق. المطار انطلقت منه أيضاً رحلتان باتجاه الإمارات عقب الانتهاء من عمليات إعادة تأهيله بعد تعرضه لعمليات سرقة يوم سقوط النظام. وقبلها وصلت، يوم السبت، أول طائرة مساعدات مصرية إلى المطار، حاملة على متنها 15 طناً من المساعدات الإنسانية. وإيران تعلن استعدادها لاستئناف رحلاتها الجوية إلى دمشق.
واشنطن أرسلت، الاثنين، إشارات إيجابية إلى النظام الجديد في دمشق، إذ أعلنت تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ العام 2011 بهدف تسهيل استمرار الخدمات الأساسية، وسمحت بإجراء معاملات مع المؤسسات الحكومية السوريا.
تقديم الخدمات الأساسية إلى سوريا
وأصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، ترخيصاً عاماً يسمح لمنظمات الإغاثة والشركات بتقديم الخدمات الأساسية إلى سوريا، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وكذا المعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي، ويجيز الترخيص أيضاً المعاملات اللازمة لمعالجة التحويلات الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما في ذلك التحويلات عبر البنك المركزي السوري. تطور مهم يفتح الباب أمام تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب السوري من غذاء ووقود وتحويلات خارجية.
تركيا وقطر ترسلان سفينتين لتوليد الكهرباء إلى سوريا، بهدف حل أزمة العتمة وتوليد 800 ميجاواط، وهو ما يعادل نصف الطاقة الكهربائية المولدة حالياً في البلاد. والعاصمة والمدن الرئيسية باتت على موعد لتوديع ظاهرة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وهي الأزمة التي تعانيها منذ سنوات طويلة.
إعادة هيكلة قطاع النقل
داخل العاصمة دمشق تجرى اجتماعات سوريا تركية مكثفة لإعادة هيكلة قطاع النقل بالكامل وإصلاح السكك الحديدية التاريخية، وتحسين شبكات النقل البري والبحري والبدء بإطلاق شبكة طرق، وإنشاء أنظمة مترو في المدن الكبرى، وتدشين طرق نقل بحرية بين مدن أنطاكيا ومرسين واللاذقية. ودخلت الأردن رسمياً على الخط وأعلن جاهزيته الكاملة ليكون بوابة رئيسة لإعادة إعمار سوريا، كما بحثت أنقرة وعمان التعاون معاً في مشروع إعادة الإعمار.
آلاف اللاجئين السوريين يعودون إلى بلدهم من تركيا ولبنان والأردن والعراق وألمانيا للمشاركة في إعادة بناء سوريا الجديدة. وعواصم عربية منها الرياض والدوحة وأبوظبي وعمان تستقبل وفودَ سوريا برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني. وأحمد الشرع يستقبل وفود غربية في العاصمة.
يصاحب التحركات السياسية والاقتصادية الماراثونية في دمشق خطوات حكومية لتحسين الأحوال المعيشية للمواطن من خدمات الإنترنت والاتصالات المحلية والدولية، وتوفير السلع الأساسية في الأسواق من وقود وأغذية، وزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400% بدءاً من الشهر المقبل، ودعم الاحتياطي الاستراتيجي من القمح والحبوب، وتأكيد أن الدولة لديها قمح ووقود يكفيان لبضعة أشهر.
كما يصاحب كل تلك التحركات بوادر استقرار سياسي وأمنى، ودعوات إلى تسريع البت في قضايا العدالة والمساءلة بعد سقوط نظام الأسد، والاستعداد لملفات غاية في التعقيد مثل ملاحقة الأموال المنهوبة من قبل رموز النظام السابق، وفتح ملف النفط والغاز وترسيم الحدود البحرية.