مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: 4 رسائل وراء تعيين امرأة محافظاً لبنك سوريا المركزي

كلّفت السلطات السوريا الجديدة ميساء صابرين بمنصب محافظ بنك سوريا المركزي، لتكون بذلك أوّل امرأة تتولّى هذا المنصب المرموق ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة العربية،

حيث لم يسبق لامرأة أن تولت عربيا هذا المنصب بالغ الأهمية الذي يصنف بأنه الأهم بعد منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء،

بل يفوق في قيمته ودوره السياسي والاقتصادي مهام وزراء المجموعة الاقتصادية، بما فيها المالية والصناعة والسياحة والتجارة والزراعة وغيرها.

وعبر هذا القرار المفاجئ للكثيرين أرادت السلطات السوريا الجديدة في دمشق إرسال عدة دلالات ورسائل ليس فقط للسوريين بل للمجتمع الدولي.

الرسالة الأولى والأهم هي احترام مكانة المرأة في سوريا الجديدة، فالمرأة يمكن أن تتولى مناصب رفيعة، وزيرة ومحافظ بنك مركزي ومحافظ لمدينة كبيرة مثل السويداء وسفيرة كما جرى في الأيام الماضية،

بل يحق لها أن ترشح نفسها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا رد عملي على كل المشككين سواء في نوايا السلطات الجديدة،

أو بعدم أهلية المرأة السوريا لتبوُّء أعلى المناصب القيادية بما فيها رئيس الدولة.

استقلالا المركزي السوري عن السلطة السياسية

الرسالة الثانية لتعيين ميساء صابرين، وهي غاية في الأهمية أيضا، تكمن في أن السلطات السوريا الجديدة تريد استقلالا تاما للبنك المركزي عن السلطة السياسية والقرار السياسي والمشهد العام، كما يحدث في الدول المتقدمة والاقتصادات الكبرى،

ولذا لم تعين واحداً من المحسوبين عليها، عكس ما جرى مع وزارات أخرى مثل الخارجية والدفاع والصحة ورئاسة الحكومة الانتقالية،

بل جاءت بامرأة كانت تتولى منصبا رفيعا خلال حكم النظام القديم، وهي بكل تأكيد كانت محسوبة على هذا النظام وتؤيده،

وهذا يعني أنه لا تعديل في نشاط البنك المركزي السوري الذي يعد عصب الاقتصاد، والمسؤول عن حماية الدولة ماليا واقتصاديا،

ودعم استقرار عملتها المحلية الليرة، والمحافظة على مدخرات المجتمع وأموال المودعين.

الرسالة الثالثة هي أن إسقاط النظام السابق بقيادة بشار الأسد لا يعني قطع العلاقات كليا مع الخبرات والكوادر التي كانت تخدم الدولة خلال فترة هيمنة هذا النظام القمعي والمجرم،

فالدكتورة ميساء صابرين كانت تتولى منصب النائب الأول لمحافظ سوريا المركزي منذ العام 2018،

ولديها خبرة مصرفية طويلة وعلاقات قوية سواء مع أجهزة الحكومة الرسمية أو القطاع المصرفي والبورصة والعقارات بحكم موقعها، وحاصلة على درجة الدكتوراة في المحاسبة.

دعم استقرار العمل داخل المؤسسات الحساسة

الرسالة الرابعة هي أن السلطات السوريا الجديدة ترغب في دعم استقرار العمل داخل المؤسسات الحساسة وفي مقدمتها مصرف سوريا المركزي والبنوك والمؤسسات المصرفية والمالية، وعدم حدوث اضطرابات قد ثير قلق المودعين وأصحاب المدخرات،

ولذا قررت الاستعانة بخبرات المشرفين بالفعل على دولاب العمل داخل تلك المؤسسات والذين يمتلكون خبرة طويلة في إدارة السياسة النقدية والدين العام والرقابة على البنوك وأسواق الصرف والتنسيق مع السياسات المالية والاقتصادية للدولة وغيرها.

ميساء صابرين لديها فرصة ذهبية في أن تثبت للجميع أن المرأة السورية التي وقفت إلى جانب الرجل في ثورته ضد نظام الأسد القمعي ولمدة تقارب 13 سنة قادرة على قيادة أهم المواقع حساسية وأهمية وهو مصرف سوريا المركزي،

إلى جانب التأثير في مواقع أخرى منها البورصة ومجلس النقد والتسليف وهيئة التمويل العقاري وغيرها.

إعادة هيكلة القطاع المصرفي

ولذا عليها البدء فورا في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتخليصه من الفساد والمحسوبية والديون المتعثرة،

ووقف القروض السياسية والتي كانت تمنح بالتليفون وبضغوط وتعليمات من رموز نظام الأسد والشخصيات النافذة،

وساهمت في تأزيم الوضع داخل القطاع المصرفي وزيادة حجم الديون المشكوك في تحصيلها به.

وقبلها تخليص القطاع من القيادات المصرفية المرتشية والفاسدة، أو التي ساهمت في تهريب أموال رموز النظام السابق.

كما أن مهمتها في إعادة الاعتبار لليرة السوريا المنهارة تمثل أولوية قصوى، لكن هذه المهمة صعبة، لأنها بحاجة إلى إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي المنهار لدى الدولة،

وتنشيط موارد الدولة الدولارية من صادرات وسياحة واستثمارات أجنبية وتحويلات خارجية، وملاحقة الأموال المنهوبة في بنوك العالم،

وهذه مسؤولية أجهزة دولة وليس مهمة البنك المركزي السوري فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى