مصطفى عبد السلام يكتب: 6 ساعات كانت كافية لإسقاط انقلاب كوريا الجنوبية
في كوريا الجنوبية، كانت ست ساعات كافية لإجهاض انقلاب عسكري مدبر بليل من قبل رئيس الدولة والجيش الكوري على السلطة المنتخبة، وفي منطقتنا تحتاج هذه الخطوة سنوات طوالاً، بل وعشرات السنين، ليس لإجهاض ذلك الانقلاب، ولكن لتقليل تأثيراته المدمرة على الوطن واقتصاده ونظامه السياسي والاجتماعي، وامتصاص صدماته العنيفة على المواطن والأسواق والمجتمع.
انقلاب في كوريا الجنوبية
أمس الثلاثاء حدث انقلاب في كوريا الجنوبية، صاحبة أقوى رابع اقتصاد في آسيا، والمرتبة الثالثة عشرة من بين أكبر اقتصادات العالم، حيث أعلن رئيس الدولة، يون سوك يول، فرض الأحكام العرفية في البلاد، وإعادة الحكم العسكري إليها، وإغلاق مقر البرلمان، ونشر الجيش في شوارع الدولة بما فيها العاصمة سيول، وتكليف رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الجنرال بارك آن-سو بمهمة الإشراف على تنفيذ الأحكام العرفية.
ووسط استنفار أمني غير مسبوق، أصدر الجيش تعليمات صارمة تقضي بحظر جميع الفعاليات بما في ذلك المظاهرات الاحتجاجية والسلمية، وحذر من أن منتهكي قرارات الأحكام العرفية قد يتم اعتقالهم دون الحاجة إلى قرار قضائي.
وعقب فرض الأحكام العرفية حاصرت قوات من الجيش مبنى البرلمان المنتخب في محاولة لتثبيت ذلك التمرد والاعتداء على السلطة المنتخبة الممثلة في الجمعية الوطنية،
كما أعلن الجيش حظر الأنشطة البرلمانية والسياسية والحزبية، ووضع وسائل الإعلام ودور النشر تحت سيطرة قيادة الأحكام العرفية.
الشعب الكوري يرفض الانقلاب
لكن وخلال ست ساعات فقط خرجت غالبية الشعب الكوري رافضة لهذا الانقلاب، وعقد البرلمان المنتخب جلسة عاجلة قرر خلالها إلغاء قرار رئيس الدولة، بل والبدء في محاكته.
وأجبر رد فعل رجل الشارع الغاضب والسريع، والبرلمان المنتخب، رئيس الدولة على إلغاء الأحكام العرفية،
والعدول عن انقلابه العسكري، والعودة إلى الإجراءات الطبيعية والحكم المدني.
دعم تحرك الشارع الشعبي واسع النطاق رفض التجمعات الاقتصادية وقطاعات الأعمال ورؤساء الشركات
وكبار المستثمرين في الدولة انقلاب الرئيس الكوري على المؤسسات المنتخبة بسبب مخاطره الشديدة على سمعة كوريا الجنوبية،
والاقتصاد والشركات الكورية في الخارج والداخل والتي تتمتع بسمعة عالمية، خاصة في مجال صناعة السيارات والبرمجيات وتكنولوجيا المعلومات،
وكذا بسبب مخاطره على التصنيف الائتماني للدولة وأسواق المال والبورصات والعملة المحلية.
فمن المعروف أن الانقلابات العسكرية طاردة للاستثمارات المحلية والعالمية على حد سواء، وتهز مناخ الاستثمار،
وتدعم الفساد والاحتكارات وإساءة استخدام المال العام والتضخم وغلاء المعيشة والديون وعجز الموازنات العامة،
وتمهد الطريق لوقوع الدولة في مستنقع الديون والفقر والبطالة، كما أن هناك علاقة قوية بين الانقلابات وفشل الاقتصادات الوطنية،
ورهن القرار الوطني في الدولة للدائنين الدوليين، وفي مقدمتهم صندوق النقد والبنك الدوليان.
الاتّحاد الكوري لنقابات العمّال يرفض الانقلاب العسكري
مثلاً، رفض الاتّحاد الكوري لنقابات العمّال الذي يضمّ 1.2 مليون عضو، وهو أكبر اتحاد للعمّال في كوريا الجنوبية الانقلاب العسكري،
ودعا لإضراب عام مفتوح وعاجل، إلى حين استقالة الرئيس يون سوك يول.
كما أعلن عمال مصانع الصلب وشركات كبرى ومتوسطة الحجم عن إضرابات مماثلة. وسارع المتظاهرون إلى مبنى الجمعية الوطنية،
رافضين للأحكام العرفية وتمرد الرئيس على السلطة المنتخبة، واشتبكوا مع الشرطة.
لم تتوقف تحركات الشارع عند هذا الحد حيث أعلن الحزب الرئيسي المعارض في كوريا الجنوبية أنّه سيرفع دعوى قضائية ضدّ الرئيس يون سوك يول وعدد من كبار معاونيه الأمنيين بتهمة التمرد، وفرضه الأحكام العرفية في البلاد في إجراء أحبطه البرلمان سريعا.
الشعب الكوري هب للدفاع عن دولته وحريته ومستقبله ودستوره واختياراته وصوته الانتخابي وقراره الوطني ومكتسباته واقتصاده القوي،
ودافع كذلك عن دولة القانون والمواطنة في مقابل الديكتاتورية والاستبداد،
ولذا ستظل كوريا الجنوبية قوة اقتصادية رائدة في العالم تتمنى الكثير من الدول اللحاق بها،
وتمثل تجربتها الاقتصادية نموذجا يحتذي به في كل دول العالم.