مضر أبو الهيجاء يكتب: التوجه الأمريكي للتعامل مع غزة والمقاومة
تحت عنوان الكابوس الأسود وسيناريوهات التعامل الأمريكي مع غزة والمقاومة، كنت قد كتبت مقالا وطرحت فيه ثلاث سيناريوهات محتملة.
السيناريو الأول:
إخراج وقتل قيادات المقاومة من غزة -لا قدر الله-.
السيناريو الثاني:
تطويل عمر المعركة وصناعة غزة المضطربة والمتوترة، للنفاذ من خلالها إلى قضايا داخل وخارج فلسطين بحاجة إلى إعادة ترتيب.
السيناريو الثالث:
احتواء حركة حماس والمقاومة من طرف أمريكا وانهاء فاعليتها في القضية، وذلك ضمن إطار عربي رسمي لحفظ ماء الوجه، بحيث يكون منسجما مع ايقاع وترتيبات أمريكا القادمة، اقتداء باحتواء أمريكا حركة فتح وياسر عرفات وانهاء فاعليته ضمن التصور الأمريكي.
وبحسب التصريح الأمريكي العسكري الأخير الذي يتعمد تضخيم قدرات حماس بشكل فضائي قادر على إغراق إسرائيل في وحل غزة ومقارنة ذلك بلبنان، فإن مفهوم الكلام يشير إلى توجه أمريكي لصناعة لبنان في غزة، أو كما أوردته في مقالي السابق، لجعل الحالة الفلسطينية الغزية شبيهة بمخيمات الفلسطينيين بلبنان كمخيم عين الحلوة.
فإن نجحت أمريكا -لا قدر الله- في تحقيق تلك الصورة، فلا بد أن يتبلور دور الحكومات المصرية ليكون كدور الحكومات اللبنانية في التعامل مع المخيمات الفلسطينية، والأدهى والأمر هو تحويل الداخل الغزي إلى فوضى وأطراف واختراقات وتصفيات، للدرجة التي تجعل حلم من كان يريد تحرير الأقصى هو أن يخرج بلا عودة من غزة!
إن تحميل الناس ما لا يطيقون في كل جوانب حياتهم أضعافا مضاعفة عما يطيقه البشر العاديون، سيفضي إلى نتائج اجتماعية نفسية سلوكية كارثية، الأمر الذي يستدعي على الفور استحضار فهم وسلوك ونموذج خالد بن الوليد في محافظته على الحاضنة.
الأخطر القادم هو الشكل والإطار والمكون الذي سيمثل فلسطين ويرسم مسار القضية، في ظل تدابير السياسة الأمريكية والخطوات العملية الإسرائيلية التي أفضت إلى خصي التيار الفلسطيني الوطني منذ ردح من الزمن -أوسلو- ، واغراق التيار الفلسطيني الاسلامي منذ أن سقط في فخ حكم قطاع غزة، وحكم بنفسه -نتيجة قصور تصوره- على معاركه بالفشل نتيجة فوارق القوة المهولة في غزة المحاصرة من أنظمة عربية رسمية معروف منذ تشكيلها أنها متواطئة!
إن فلسطين كل فلسطين اليوم أمام منعرج قد يتلف القضية برمتها إذا لم تأخذ الأمة دورها تجاه قلبها النابض وأقصاها الجاذب لقلوب وأفئدة الموحدين.
لن تنجو فلسطين إذا بقيت محصورة في بعدها الجغرافي القطري.
لن تنجو فلسطين ما دامت إدارة ملفاتها الأساسية حكرا على الفلسطينيين.
إن المحيط البشري الهائل من العرب والمسلمين يشكل مادة وخامة النصر الحقيقية التي توجب العمل والبناء تجاهها -وهو عمل غائب في المسار الوطني والإسلامي الفلسطيني- ، وليس سبيل النصر كما توهم البعض نصرا عبر الصواريخ الإيرانية -مدروسة التمويل ومحدودة الفاعلية-، أو كما غرق البعض وأغرق معه فلسطين حين توهم أن المفاوضات مع الإسرائيليين ستعطينا تمكينا وحقوقا مرحلية!
إن فلسطين أكبر من ديارها الجغرافية، وإن قوامة شعوب الأمة أقوى وأدوم من قوامة الشعب الفلسطيني محدود القدرات والعاجز بمفرده عن تغيير معادلة الصراع الدولية والإقليمية، ذات الخلفية السياسية الاستعمارية والدينية الصليبية المتصهينة.
فكيف يتصور عاقل أنه قادر على معالجة قضية دولية إقليمية من خلال تصور قطري من الناحية العملية عسكريا وسياسيا، مهما امتلك من مجاهدين ومضحين وعمليات بطولية!؟
وكيف يتوجه سوي الانتماء ورشيد العقل الى غير أمته وشعوبها المنسجمة معه ثقافيا، ثم ينخدع بنصرة تأتيه على أيدي من نحر ولا يزال ينحر أشباهه ومحبيه ومناصريه في كل محيط فلسطين!؟
لا شك بأننا في فلسطين ضحايا مشروع غربي صهيوني همجي غير انساني، ولكننا كمشاريع سياسية وقيادات وتوجهات فلسطينية، كنا ولا نزال عبئا على فلسطين وأهلها المكلومين وأقصاها الجريح، وذلك نتيجة قصور تصوراتنا وخلل في أفهامنا، وغياب سوية في مواقفنا وارتباطاتنا السياسية!
فهل نتوقف ونراجع ونعيد النظر في مسيرتنا ونقبل على بناء حقيقي في شعوب أمتنا، وذلك قبل أن نلج في مرحلة تيه جديد وبعيد؟
وإذا كان هذا معقولا وممكنا فلماذا تنتظر القامات العربية والإسلامية من غير الفلسطينيين قرارا وتوجها ورضا وإذنا من القائمين حاليا في فلسطين!!؟ وهل هذا الضعف دلالة أدب وتواضع جم، أم فيه تخل عن المسؤولية الشرعية والأخلاقية؟
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 1/3/2024