مضر أبو الهيجاء يكتب: الثوار السوريين بين تيه المصطلحات وهشاشة الفهم

من المؤسف أن يتبعثر ويضطرب المشهد الثوري الشبابي السوري لحظة تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية، حيث تتضح هشاشة الوعي الجمعي وضعف المسؤولية تجاه مرحلة ولادة حساسة للجنين، وغياب لإدراك أولوياتها الواجبة وتحدياتها القائمة ومحاولات إجهاضها الدائمة، وبنفس الوقت تتكشف عدوى المصطلحات الغربية المفارقة لواقع المسلمين، وتتضخم الإشكالات الموهومة، فيما تضعف فلسفة وتصور الهدى ومعاني الوحي والحق المبين!
إن كثرة الحديث عن إشكالية التعيين تدني في مقارباتها من قيمة سوية الاختيار وتعلي من مخاطر طريقته، وفي ذلك إشارة للهوس بالمفهوم الديمقراطي الغربي المخادع، والذي عرته ممارسات التجربة السياسية الغربية -حتى عاينت شعوب الغرب كيف تلد ديمقراطيتهم الاستبداد المغلف بالديمقراطية الكاذبة-!
فكيف يغيب عن شباب وثوار الشام سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام المعدلين بنص القرآن الكريم؟
ألم يعين الصادق الأمين أبوبكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب في أهم منصب في الدولة؟
ولماذا اختار كل صحابي -من تلاميذ مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم- طريقة مختلفة تماما عمن سبقه ومن لحقه، وذلك في اختيار أهم منصب يختص بالخليفة ومن يحكم البلاد ويتربع على عرشها؟
لم يعين الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة محددة لأصحابه من بعده في شأن التعيين، بل تركهم يديرون شؤون الدولة باجتهاداتهم البشرية، المرتبطة بالشورى التي تصيب في تقويم المصالح العامة والتوازنات الموضوعية القائمة، والمعاينة لواقع الحال المعتبرة للطوارئ والمتغيرات.
إن محل المقصد المشترك بين تصرفات واجتهادات جميع الصحابة الكرام في شأن أشكال تعاطيهم السياسي المتباين والمختلف مع منصب الاستخلاف، هو تحقيق مصلحة الأمة وحفظ الدين، وليس تحقيق الشكل الديمقراطي الذي لا ينطلق من فلسفة الوحي ولا يحقق هدي الدين، ولا يعدل بين المسلمين!
لم يعاني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما عانت منه تجارب الغرب الفقيرة بالهدى والقيم، ولم يحتج أحد منهم لنظريات أفلاطون!
إن منصب الإفتاء العام لا يعني أن من يتربع على عرشه هو أعلم بني عصره وقومه، بل إن هناك مواصفات أكثر أهمية وأولوية في واقع التجربة الإسلامية السورية الغضة والطرية، وعلى رأسها تميز تلك الشخصية بقدرتها على تحقيق التوافق بين المدارس الإسلامية المختلفة والمفترقة في مرحلة الولادة الصعبة لتجربة إسلامية مستهدفة.
فهل يوجد في سورية شخصية توافقية يلتف حولها جميع الفرقاء أكثر من شيخ الفقهاء العالم الجليل أسامة الرفاعي؟
أما في جانب الفتيا فلا خشية على أهل الشام الذين يكثر فيهم طلب العلم والدعاة والعلماء، عداك عمن يحيطون بالشيخ الفقيه أسامة الرفاعي، لاسيما وهو المنفتح على جميع الناصحين بحب وتواضع وخفض للجناح قل مثيله ولا نزكي على الله أحدا.
فما بالكم يا إخوتي وأبنائي تزرعون الشوك في أرض الشام، ونحن نسرع الخطى لنقلع بأظافرنا الشوك العتيق ونزرع مكانه الياسمين.
أفيقوا واعتدلوا وسووا بين الأفهام والعقول قبل أن تسووا بين المناكب والأقدام.