إذا كانت القضية الفلسطينية قد كشفت جزء مهما من الحقيقة، فإن المسألة السورية قد أكملت كشفها، وعرت كل المشاريع والأنظمة، وأسقطت الفلسفات المخادعة.
وبكلمة فاحصة ومركزة أقول:
إن حجم الاستهداف من المشاريع المعادية للمسألتين الفلسطينية والسورية وأرضهما وشعبيهما، كما أن حجم النتائج والثمرات المتشاركة لصالح الدين والأمة فيما انتهت إليه الثورتين الفلسطينية والسورية، إضافة لتعرية المشاريع الصليبية والصهيونية والصفوية كنتيجة لجهاد شعبي فلسطين وسورية.. يشير إلى حقيقة لا يتجاهلها إلا مستكبر مغرض، ومفادها أن المصير بين فلسطين وأمها الشام قدر محتوم.
توحيد الرؤى والعمل المشترك وتناغم الهدف
إن التصرفات الإسرائيلية العنهجية والمتهورة تجاه سورية الجديدة تعكس حقيقة دورها وسبب نشأتها وسبب رعاية أمريكا والغرب لها، وهو منع قيام أي نهضة محتملة في مهد الحضارات في أرض الشام ومصر والعراق.
يتصرف اليهود المحتلين لجزء من أرض الشام (فلسطين) تجاه سورية الجديدة وكأن كاهنهم وشيطانهم أخبرهم بقرب زوالهم، إن هم تركوا أهل الشام يكملون البناء في مسار النهضة الذي كانوا قد فارقوه بالأمس القريب، فما إن فر الوكيل حتى كشفت أرض الشام عن كنز عظيم هو إنسانها الذي يؤمن بالله رب العالمين ويستمسك بالعروة الوثقى.
ليس مستغربا أن تحاول إسرائيل -والغرب من ورائها وعن يمينها وشمالها- أن تجعل من سورية دولة فاشلة وتجربة زاهقة، الأمر الذي دفعها للتواصل مع حطب جهنم وذبابها الأزرق في كل نواحي سورية، فمرة قسد ومرة نصيري حاقد وبعدها درزي خائن وجميعهم روث.
إن ما يحاول المشروع الغربي الصليبي والإسرائيلي الصهيوني والإيراني الصفوي فعله في سورية اليوم، هو ما تم إنجازه وفعله في مصر بالأمس القريب، وهو ما تحقق من قبل في العراق العظيم فبات دولة ممزقة وفاشلة.
والسؤال يقول:
لماذا تبقى سورية الجديدة وشعبها الكريم وثوارها الأحرار الميامين في حالة ضعف تتلافى ضربة اليوم وتنتظر عضة في الغد؟
إن ما يتوفر في أرض الشام، وما يتصل بتجربتها من عناصر القوة، يمكن أن ينقلها من حال المفعول به إلى حال الفاعل تجاه المشاريع المعادية المتعددة التي تستهدفها.
لعل أعظم ما يتوفر اليوم على أرض الشام -بعد مسيرة كفاح طويلة مع الباطل وأنظمته وأجهزته وفلسفاته خلال سبعة عقود مليئة بالتضحيات الجسام والعذابات المروعة والثبات المؤمن والعنيد-.. هو الإنسان.
إن الإنسان الذي نقصده هو من تشكل العبودية لله صفته الأولى، والتي صنعت منه إنسانا حرا قويا مبدعا لا تأسره الفلسفات الضالة، ولا تحده الأنظمة الجاهلية، وهو خامة البناء والنهضة والنصر القادم بإذن الله.
اعتماد ركيزتي الترغيب والترهيب شرط الفاعلية
إن ما يتصل بالتجربة الإسلامية الواعدة في سورية شيء كثير وعناصره داخلية وخارجية متعددة، الأمر الذي يدعو أصحاب الفكر والنظر والخبرة لإعادة البحث والتفكير في كل العناصر الداخلية والخارجية وجمعها وتبويبها ثم فرزها ووضعها على نفس السكة، حيث يمتلئ عمودها الأيمن بعناصر الترغيب، فيما يمتلئ عمودها الأيسر بعناصر الترهيب المخيفة والمقلقة.
كيف نتعامل مع قاعدتي الترغيب والترهيب؟
إن قاعدتي الترغيب والترهيب يمكن أن تنتظما وتشكلا قوة فظيعة ومتقدمة للدولة السورية الجديدة وتجربتها النهضوية، وذلك بشرط وعي عميق لطبيعة ومطالب وثغرات المشاريع المعادية المتعددة، والتي تهدد جميع دول وشعوب المنطقة، الأمر الذي يضبط إيقاع المد والجزر بشكل تتداعى معه جميع شعوب المنطقة، وحتى بعض الأنظمة.
مسألة فلسطين، ومكونات الأنظمة العربية المختلطة!
لقد استحوذ القوميون العرب والاشتراكيون والبعثيون على المسألة الفلسطينية، وحققوا من خلالهم انتعاشا لمشاريعهم الطاغوتية المستبدة، وفلسفاتهم الجاهلية والكفرية، وذلك خلال نصف قرن، وكذلك فعلت إيران ولي الفقيه فامتطت فلسطين من خلال أحزاب المقاومة، واستمتعت بها ما يقارب نصف قرن، وهكذا تلفت فلسطين خلال قرن، زهقت خلالها دماء الشهداء وتمزقت العائلات، وأهرقت الطاقات والأموال، دون نفع يرتد على فلسطين وشعبها، بل تراجعت القضية للوراء وتحطم الإنسان وسرقت الأرض واستعلى فيها اليهود وباتوا يتسلون بالدماء الفلسطينية ومشهد حروب الجوع الذي صنعوه عن قصد، غير عابئين بأمة العرب والمسلمين، فأين هي نتائج جهاد شعب فلسطين؟
إن أولى الناس بالاستفادة من قيمة فلسطين هم الصادقون الذين حضروا للمشهد في مصر ثم غيبتهم المنافي والسجون، وها هم اليوم يظهرون من جديد ويعلون في دمشق، فهل يدرك الأحرار فيها والمجاهدون أهمية المسألة الفلسطينية في رفد أي تجربة ثورية ونهضة إسلامية؟
وهل تدرك الأنظمة العربية أن تقسيم سورية يعني ضياع الأردن وتفكك السعودية؟
ختاما أقول لإخواني الثوار إن واجبنا أن نعي معنى وأشكال الإعداد للقوة.. فهل وصلت الفكرة؟