في ظل الحالة الطفولية التي تعيشها الحكومة السورية المؤقتة والجديدة، من حيث مفاهيم وطرائق إدارة الدول وتنظيم شؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية!
في ظل حالة المركزية المفرطة التي تتميز بها العصبة الحاكمة المؤقتة والمرحلية في دمشق!
في ظل الفقر السياسي الكبير الذي يتميز به الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع!
في ظل استمراء عقدة اللون الواحد وعدم الذهاب لعقيدة الطيف الإسلامي الواسع!
في ظل حالة السلبية المفزعة والعجز النخبوي المدهش عند القيادات السياسية والثورية والعلمائية السورية!
في ظل التفكيك الممنهج للأطر الشعبية الإسلامية السورية المنتمية وافقادها قيمتها الجماهيرية المؤثرة!
في ظل الاهتراء الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الشعب السوري المكلوم!
وفي ظل الاحتضان العربي الرسمي والغربي المفاجئ لسورية الثانية بعدما سحق ربيع مصر وتآمر على الثورة السورية وأنعش الأسد مرة تلو مرة حتى خر على الأرض!
في ظل كل ما سبق، فمن الطبيعي أن تقوم بهندسة وبناء سورية الثانية أطراف خارجية، تماما كما بنيت سورية الأولى بأيدي فرنسية ثم هندسها ووضعها على السكة كيسنجر الداهية!
لست مبالغا إن قلت إن رجالات الإدارة الأمريكية المقررة هي من تصوغ سورية الثانية بتأدة وترفق مراعاة للعقبات الموضوعية، واستبعادا للمفاجآت الشعبية.
كما أن إسرائيل المتربصة حاضرة في مشهد هندسة الدولة السورية الثانية، وذلك باعتبارها العين الساهرة واليد الباطشة والذئب المسعور الذي تطعمه وتسقيه أمريكا المديرة والمقررة، والتي تريد تفويت ثمرات الثورة وتضحياتها على أهل الشام الكرام الذين يستحقون سورية الجديدة وليست الثانية -التي تشكل الوجه الآخر للأولى-!
مشروع أحمد الشرع بعيد عن الشرع، فأين تكمن المعضلة!
إن المشروع الإسلامي لا يشابه المحفل الماسوني الذي يعتمد السرية المغرقة ويتميز بالطقوس العجيبة وله طلاسم غير مفهومة، بل إن ما يميز الإسلام هو موافقته للفطرة وسهولة التعامل معه وسرعة فهمه وشدة وضوحه وبيانه، وكذلك ثراء أحكامه التي تصبغ كل تصرفات الإنسان فردا كان أم جماعة أم سلوك دولة.
المحفل الإسلامي في سورية!
ومن عجائب هذا الزمان أن بعض أعيان القوم من رواد العمل الإسلامي يتعاملون مع المشروع السوري الذي لا يزال يتميز بالضبابية الشديدة رغم مرور سبعة أشهر، على أنه مشروع إسلامي خالص، مع أنه مبهم وضبابي السلوك الإداري والسياسي حيث تخالف حقائقه وبواطنه ظاهره، وله علامات لا يفهمها إلا أبناء المحفل الإسلامي الجديد!
ثم تجد من القطيع من يروج المقولة الخائبة (ثقوا بإخوانكم) حتى تظهر الطامات وتحل الكارثة من جديد!
أين تكمن المعضلة وكيف يكون الحل؟
إن معضلة التصور حول المشروع السوري الجديد تكمن في جانبين هما:
الجانب الأول: خدعة المكون الرئاسي!
خدعة المكون الرئاسي تكمن في عرض نفسه على أنه امتداد طبيعي للمشروع الثوري والإسلامي! والحقيقة الموضوعية العملية -وليست النوايا- أنه مشروع دولة يستهدف السلطة بلا رؤية حضارية ولا مشروع بناء إسلامي جماعي رشيد، وهي نتيجة يمكن استخلاصها من مجموع التصرفات والمواقف في السياسية الخارجية وفي أشكال وجوانب الإدارة الداخلية!
الجانب الثاني: انخداع واستمتاع الأتباع!
يتعامل الأتباع ومعظم القوى الثورية والأعيان الدعوية على أن النموذج السوري الحالي متماه مع مطالب المشروع الثوري والإسلامي، على الرغم من مخالفاته ومفاجآته الكثيرة، وعلى الرغم من الجهالة والضبابية الكبيرة التي تحيط بعموم الإدارة الداخلية والتحركات الخارجية وما يعتريها من اتفاقيات!
وبكلمة يمكن القول:
إن المشروع الذي يتربع على عرشه أحمد الشرع وعصبته الضيقة هو مشروع دولة يستهدف السلطة، كما أن معظم العاملين في الحقل الإسلامي يرون ويسمعون ويعاينون ابتعاده المتصاعد عن جوهر المشروع الإسلامي وخطواته الطبيعية اللازمة حتى وإن كانت تدريجية مبررة!
ورغم هذه الصورة الواقعية فلا أحمد الشرع يتحدث بشكل واضح عن مشروعه، ولا الأتباع يعطون الوصف الصحيح والدقيق لسلوكه السياسي والإداري!
استبدال المقاصد الشرعية بالمنافع السلطوية!
لا شك بأن الدولة شوكة وأن السلطة واجبة لتحقيق التمكين، ولكنها تبقى وسيلة وليست غاية، الأمر الذي يجعلها خاضعة للمعايير الشرعية والأخلاقية وليست متحررة من القيود!
الفقر الشعبي ليس مبررا للتنازل، ومصالح الدولة لا تجيز التجاوز!
في ظل خفوت أصوات ومقولات ومعاني ودلالات الهداية الربانية وتراجع المبادئ الشرعية، وغياب كبير للاهتداء والاقتداء بالسيرة النبوية في مطلع التحرير وبناء سورية حافظة الدين والرعية، تتقدم القيم والمعايير المادية الدنيوية على القيم والمعايير الشرعية والأخروية، حيث يصبح الضعف مبرر للتنازل، كما يصبح تحصيل المنافع السلطوية مبرر قوي للتجاوز!
الخاتمة
ثورة الشام محقة عادلة ومباركة
لا شك بأن الثورة السورية المباركة هي أعظم ثورات القرن، والتي شهدت تضحيات جليلة توازي تضحيات كامل العالمين العربي والإسلامي في تلك الحقبة، والأهم أن عناوينها الرئيسية كانت عناوينا عربية إسلامية إنسانية محقة وعادلة، كما أنها كانت متصلة ومتماهية في شكلها وجوهرها مع ثقافة الأمة القائمة على القرآن والسنة.
حساسية الشام في الصراع مع الغرب
ومن نافلة القول أن أرض الشام المباركة ركيزة من ركائز النهضة الإسلامية من النواحي الثقافية والعمرانية والجيوسياسية، الأمر الذي يشير إليه التاريخ، حيث لم تتحقق نهضة ولم يسبقها دحر للأعداء إلا وأرض الشام في قلب المعادلة إلى جانب مصر خزان الأمة ثم العراق العظيم.
التعاون الصليبي الصهيوني الصفوي لتدمير الشام
إن مكانة الشام وأهميتها استدعت تكالب مشاريع الأعداء المتعددة وتعاونها لحرق الشام وهدمها وإفقار وتهجير أهلها، وهو ما جسده التعاون العميق بين الصهاينة والصليبيين والملالي الإيرانيين، وقد استخدمت المشاريع الثلاثة فرعون الشام بشار الأسد للأعمال القذرة حتى آخر نفس فيه بعد أن أنعشته مرات عديدة في جولات كثيرة، إلى أن خر على الأرض وهوى بعد أن استنفد كل طاقته في قتل وحرق واغتصاب أحرار الشام وأهلها، مستعينا بشياطين الإنس أبناء الملالي في لبنان المسمى زورا حزب الله وحسن نصر الله، وهو في الحقيقة كما وصفه العلامة القرضاوي وأسماه حزب الشيطان وحسن نصر اللات.
الأفران الحارقة المتنقلة!
وكما استخدم الكاهن الأمريكي الصليبي إسرائيل وإيران وأذرعها في تدمير الثورة السورية المباركة، فقد استخدم النظم العربية المناوئة والداعمة على حد سواء، وذلك للإحاطة بالثورة السورية والتمكن من مفاصلها وحرفها، وقد توج خطته بالاستعانة المباشرة بالأفران الحارقة المتنقلة التي صنعها على عينه كداعش وأخواتها، لتجهض الخير في مواطنه، وتقتلع أكباد المجاهدين باسم إقامة الدولة وحكم الشريعة والمفاصلة مع الأوثان، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير عجزت عن إنجازه حتى إسرائيل!
تحول خطة التدمير من الخارج إلى الداخل!
سقط الفاجر بشار الأسد بعد أن تخلت أمريكا عنه، ولكنها لم تتخلى عن الشام العظيمة بل دخلت في أحشاء ثوارها وحكامها بوسائلها السياسية والأمنية الغربية، والعسكرية الإسرائيلية، والاقتصادية الخليجية، وهكذا بدأت أمريكا تصوغ معادلة جديدة للإحاطة بإقليم الشام من خلال حلولها في سورية، حيث استدعى غياب ورحيل الوكيل حضور وحلول الأصيل.
طوفان الفساد القادم إلى أرض الشام!
لن تتنازل أمريكا عن الشام حتى لو استدعى اجتياح كلبها المسعور إسرائيل لدمشق وحمص وحوران!
وفي ظل الهشاشة السياسية للمكون الحاكم في سورية، وفي ظل شبق السلطة والتزاحم نحو تحقيق المنافع، ستفتح أرض الشام أذرعها لاستقبال حطب جهنم من المشاريع التي تستهدف تخريبها وإفساد أهلها، الأمر الذي يستدعي خطة وقائية وهبة توعوية ودعوية، حتى يخبو هذا الطوفان المشؤوم وتضعف قبضة الثعبان حول عنق الشام.
التمييز بين وجوب الوقوف خلف الدولة وضرورة محاسبة الحاكم.
لقد كان الرئيس التركي ذو الخلفية الإسلامية أكثر مصداقية من الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، حيث صدق مع الشعب والجماعات وأعلن أنه حزبه حزب علماني وهو يرأس دولة ديمقراطية علمانية، فيما أخبر خاصة الإسلاميين أن دوره سيكون في فتح الطرق والجسور أمامهم للعمل الدعوي والإسلامي، وقد صدق ونفذ وعده، بغض النظر عما أنجزه وما أخفق فيه.
فهل سيصارح أحمد الشرع الشعب السوري والجماعات الإسلامية ورجالات الهيئة بأنه مشروع سلطة فقط؟
وهل سيفتح الطرق والجسور أمامهم ليقوموا بواجب الدعوة ويحموا ثقافة ودين وهوية ومصالح الأمة، دون تضييق عليهم ودون حل لمجالسهم، ودون هيمنة مركزية على أنفاسهم وأفكارهم؟
وإذا كان من واجب السوريين الوقوف خلف الدولة السورية والتنسيق معها وتطوير مؤسساتها، فإن الواجب أن يتميز واجب الأعيان والدعاة والعلماء والشعب السوري عن دور الحاكم لا أن يكونوا له مطبلين وخلف سياساته كقطيع الغنم والبقر ساعين، دون نظر وتفكر وفرز مسؤول قوي وأمين يعبر عن الأمانة في حمل الرسالة، ولا يسقط في شرعة بني إسرائيل الذين تحايلوا في السبت، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه!
استبدال الجحش الشيعي بالبغل السني!
صرح وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد إبان احتلال العراق بأن أمريكا البروتستانتية تلتقي مع المذهب الشيعي والشيعة، مشيرا إلى وجوب التكامل والتعاون مع إيران وأذرعها، وهو ما تجسد في تعاونهما في حرق العراق وتفكيك جيشه لصالح إسرائيل، وكانت ثمرته تقديم بريمر حكم العراق على طبق لإيران!
فهل ستنجح أمريكا باستبدال شيعة طهران بسنة الشام لإعادة ترتيب المنطقة مبتدئة بلبنان، وذلك بعد أن عززت نظام الحكم في سورية الثانية؟
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 12/7/2025