مضر أبو الهيجاء يكتب: انتهاء مشروع التطبيع وبداية تحالفات الشر
إضاءات سياسية حول التحديات العربية الصهيونية
منذ الإعلان عن إقامة الكيان الصهيوني وحتى اليوم مرت الأنظمة العربية في مرحلتين، الأولى تطبيع تحت الطاولة، والثانية تطبيع فوقها.
يمكن القول إن منطقتنا تقف على أعتاب مرحلة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية تتجاوز مسألة تطبيع الأنظمة إلى علاقات التعاون والشراكة والحلف السياسي والعسكري بين النظام العربي الرسمي وذراع المشروع الغربي في المنطقة المسمى إسرائيل.
إن تغييرا دراماتيكيا حصل ولا يزال يحصل في منطقتنا العربية سيولد عنه واقع مغاير وجديد، ويمكن اعتبار أربعة منعرجات هامة في تشكيله وهي:
1/ معركة طوفان الأقصى أو بشكل دقيق عملية السابع من أكتوبر وما نتج عنها من استعلاء صهيوني متقدم في تاريخ إسرائيل، وتراجع حقيقي للقضية الفلسطينية وتحويلها تدريجيا من مسألة سياسية إلى ضرورة إغاثية وحالة إنسانية، لتفقد بذلك دورها الأساس في تحقيق الوحدة العربية والتحريض على المحتل.
2/ اجتثاث المشروع الإيراني الوظيفي من دول المنطقة وفق الرؤية الغربية المتجددة والرغبة الأمريكية المتشوفة، وإعادة تشكيل إيران ودول المنطقة العربية بصورة تناسب مستقبل الصراع الدولي بين أمريكا والمحور الصيني المتعاظم.
3/ اهتراء وانهيار ركيزة المشروع الغربي الثانية في ضبط المنطقة، وهي المنظومة الأمنية الطائفية الأسدية التي كانت تضبط دول المنطقة لصالح الرؤية الأمريكية -وذلك جنبا إلى جنب مع إسرائيل- واستفادة الحالة الثورية السورية الناضجة من هذا الفراغ، بالتعاون الكلي مع تركيا، والتي تشترك مع الثوار في الهوية الثقافية والمصالح الاستراتيجية، وبنفس الوقت تشكل ضمانا للغرب بعدم إحداث تغيير جيوسياسي خارج التوافق معه لاسيما وهي جزء من الناتو، الأمر الذي ساعد بتمرير الحالة الثورية السورية الجاهزة لحكم في دمشق.
4/ مجيء ترامب، صاعق المرحلة الانتقالية التي ستمس أمريكا نفسها قبل أن تمس دول المنطقة، وهي ضرورة وجودية للحفاظ على الاستعلاء الأمريكي في ظل تحديات حقيقية خارجية، وفي ظل نقاط تفجر جاهزة لتفتيت أمريكا من الداخل، اقتصاديا وسياسيا وعرقيا واثنيا، الأمر الذي يمس بشكل مباشر استقرار دول أوروبا أو انهيارها ودخولها في أتون حروب الجوع المحتملة.
وفي ظل تلك التغييرات التي أحدثت -ولا تزال- منعرجات نوعية، ستصبح مسألة التطبيع العربي الإسرائيلي تفصيلا من التفاصيل الذي يتم تجاوزه عمليا وفق التحديات التي تفرزها المنعرجات الجديدة.
وإذا كانت أمريكا قد تراجعت عن الدور المنوط بإيران المجرمة في تفتيت دول المنطقة، وذلك بسبب تحديات أكبر قادمة، وبسبب توسع حكام إيران في الهوامش الممنوحة لهم، فإن أمريكا لا يمكن أن تتراجع عن مشروعها الوظيفي الأساسي في المنطقة -الكيان الإسرائيلي- رغم محاولات نتنياهو التوسع في الهوامش المسموحة.
وإذا كانت أمريكا قد سمحت بسقوط معولها الثاني في ضبط المنطقة -الكيان الأسدي- نتيجة لاهترائه الداخلي وإصابته بالسرطان الذي باتت تنتشر خلاياه في المؤسسة الأمنية ومنظومة الحكم حتى أكلته وضعف جسده ولم يعد قادرا على أداء الدور بشكله المطلوب، فإن أمريكا لن تسمح للكيان الإسرائيلي -معولها الأول- بالضعف، حتى لو أمدته بالدماء المتجددة كل يوم، الأمر الذي ظهر جليا في التوحش الأمريكي ونهش لحوم أطفال ونساء غزة بأيدي إسرائيلية.
من الواضح أن أمريكا -سيدة العالم ومديرة المنطقة- ستتجه لفرض تحالفات عربية إسرائيلية تعوض غياب الركيزة الأسدية الطائفية، وتضمن استمرار الأهداف السابقة من إطلاق يد إيران في دول المنطقة، وتشكل جبهة متقدمة لصالح توسع المشروع الأمريكي الذي يرعى الأنظمة العربية الرسمية كما يرعى ربيبته الصهيونية.
فما هو الواجب في هذه المرحلة، وكيف يمكن التصدي لهذه الهجمة المتقدمة؟
إن أهم واجبات تلك المرحلة هو المحافظة على البنية الذاتية تواجدا وبناء وقوة وتعزيزا للهوية الثقافية الجامعة.
أما عن كيفية التصدي لتلك الهجمة، فهو غير ممكن إلا من خلال تحقيق مفهوم الوحدة، وليس هناك وحدة تتوفر فيها عناصر كثيرة لإنجاحها ومميزات تجمعها وروافد تعززها، كما هي نواة الوحدة العربية في المنطقة الأكثر سخونة في العالم، الأمر الذي إن حصل فسينتقل ببنيته ونموذجه للإطار الإسلامي.
إن عقيدة الأقصى المبارك تشكل أحد العناصر الملتهبة والدافعة نحو الوحدة، كما أن الوحدة المطلوبة يجب أن تبدأ على مستوى الحركات التي تقود الشعوب التي تتوق للكرامة.
ولعل ما فتح الله به على الأمة من تغيير كبير في الشام يشكل أرضية للمصالحات العربية والإسلامية على المستوى الشعبي والرسمي، لاسيما أن الجميع سيتواجد على أرض سورية ليشغل زاوية من زوايا البناء.
إن نجاح سورية في الانتقال من منظومة وظيفية إلى عقر دار العرب والمسلمين هو الجواب العملي أمام التحديات القائمة، حتى تتعافى مصر خزان الأمة العربية والإسلامية.