
يقول شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح -حفظه الله- إن نكبة فلسطين بدأت منذ زوال الخلافة، وهذا حق.
وأقول إن زوال الخلافة قد أحدث نكبة في فلسطين وفي عموم الأمة العربية والإسلامية دولا وشعوبا، حيث أخرجها جميعا عن صراط البناء الصحيح، واستبدل جهدها الحضاري السديد ببناء أصنام الدول الوطنية، والتي استولت على عقول وقلوب شرائح شعبية وحركات ومذاهب سياسية، فأشربت حبها وضلت وابتعدت عن توجيهات الوحي، واختل انحيازها للأمة الواحدة، حتى باتت أصنام الدول الوطنية محلا للتضحية والشهادة في سبيلها، وأمست هي الأصل والإسلام هو الفرع!
أقول وأزيد على ما قاله شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح حول النكبة، وذلك بطرح ثلاثة أسئلة واجبة لوعي المعضلة، ولأجل لمعالجة أخطاء المسار والتجربة:
إذا كانت نكبة فلسطين قد وقعت منذ إعلان حل الخلافة الإسلامية عام 1924 …
أولا: متي وقعت نكبة المسار الفلسطيني ومشروعه التحرري عموما.
ثانيا: متى وقعت نكبة المسار الفلسطيني الإسلامي التغييري خصوصا.
ثالثا: متى وقعت نكبة الشعب والمجتمع الفلسطيني بأسره.
أسئلة محرجة ولازمة من باب الأمانة في حمل الرسالة، وأجوبة واجبة لرفع مستوى الوعي الجمعي للفلسطينيين والعرب والمسلمين.
الأجوبة الثلاثة:
أولا: وقعت نكبة المسار الفلسطيني ومشروعه التحرري منذ صياغة اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية عام 1993، وقد كان عميد هذا الخيار والانجاز هو ياسر عرفات قائد حركة فتح وموجه المسار الفلسطيني الوطني!
ثانيا: وقعت نكبة المسار الإسلامي الفلسطيني ومشروعه التغييري، منذ قبول حركة حماس بالمشاركة في العملية السياسية في ظل المحتل الإسرائيلي، والذي جسدته بالمشاركة في الانتخابات التشريعية -وليست البلدية-، وذلك برعاية وتوجيه الطرف الأمريكي عام 2005، والذي قاد بشكل حتمي للصراع الداخلي المقصود، وأفضى لانفراد حركة حماس بحكم غزة عام 2007، حيث وقعت في الفخ المعد سلفا، فسلمت عمليا مدن الضفة الغربية وجبالها للإسرائيليين والمستوطنين، وحصرت العمل الإسلامي في قطاع غزة -الساقط عسكريا-، والمحكوم عليه بالفشل نتيجة ظروفه الموضوعية جغرافيا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وقد كان الدور القطري السياسي في هذا الاتجاه موجه من قبل الطرف الأمريكي وغير نزيه!
ثالثا: وقعت نكبة الشعب والمجتمع الفلسطيني منذ قررت حركة حماس الارتباط بإيران الطائفية حيث زار الشيخ أحمد ياسين طهران عام 1998، الأمر الذي تجسد في ربط وارتباط تراكمي فولاذي بين القضية الفلسطينية والمشروع الإيراني، فأنتج بعد عقدين فكرة وحدة الساحات، والتي قعدت وأسست لعملية 7 أكتوبر التي آلت إلى نحر أهل غزة، ومعارك الطوفان التي أغرقت شعب فلسطين، وإذا كان الخيار الأخير مرتبطا بيحيى السنوار، فإن فكرة وحدة الساحات قد ارتبطت بمهندسها الشيخ صالح العاروري، وأما أس المشكلة وهو ارتباط حركة حماس وتحالفها مع إيران فهي تعود للخلل الفظيع المتربع في عقول ومنهج حركة الإخوان المسلمين -إلا من رحم الله-.
إن الجدية والمسؤولية الأخلاقية والأمانة في حمل الرسالة تقتضي طرح الأسئلة العميقة والإجابة عليها بشكل واضح شفاف ورشيد، وهو شرط لإعادة ترميم الخراب الذي أحدثناه بأيدينا وخياراتنا السيئة في ماضي وحاضر فلسطين، ودفع ثمنه الشعب الفلسطيني المضحي والمجاهد والمسكين، كما استفاد من فساد تصوراتنا وانحراف خياراتنا المحتل الإسرائيلي، فأحدث في قضيتنا وأرضنا وشعبنا خرابا فوق ما أحدثناه بأيدينا من خراب.
إن كل اجتماع فلسطيني سواء أكان في الداخل أم في الخارج، وسواء أكان في إطار منظمة التحرير الفلسطينية أم خارجها، وسواء حمل عنوانا إسلاميا أم وطنيا … لا يطرح أمام شعبه الصورة الحقيقية ليناقش الأسئلة العميقة ويجيب عنها بوضوح، هو خائن لشعبه ومستمتع ومستفيد من رفع عنوان القضية الفلسطينية والتألق بها … فلا تسمعوا له ولا تطيعوه، وابحثوا عما يجمع بين الفهم القويم والهدى العزيز.