لم يمنع إسرائيل من بسط سيطرتها على دمشق في يوم 8/12/2024 إلا وجود تفاهمات دولية إقليمية حول سورية، ومع ذلك فإن إسرائيل – وفي سياق الرؤية الأمريكية – حطمت وأحرقت كل مواقع القوة التابعة للدولة السورية.
وبكلمة يمكن القول دون مواربة:
تقليم أظافر الدولة السورية!
إن ما قامت به إسرائيل -المنفذة الحقيرة للسياسة الأمريكية- من تقليم أظافر الدولة السورية الجديدة أمر متوقع يستوعبه كل عاقل خبير بالصراعات بين المشاريع الغازية والتوسعية، وهو يأتي في سياق الإرادة الدولية والإدارة الأمريكية الساعية لبناء سورية الثانية، وتفويت الفرصة على أحرار الشام لبناء سورية الجديدة.
ملاحظة: أشرت لهذا في مقالي قبل التحرير بعام ونصف، وهو بعنوان بناء سورية الثانية وتحديات المرحلة.
تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم!
إن ما لا يمكن فهمه -أو بشكل أدق ما لا نحب أن نعقله وندركه- هو مشروع تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم عبر خطوات متلاحقة بسرعة البرق، ويمكن الإشارة إلى ثلاث خطوات متعاقبة -على سبيل الذكر لا الحصر- جميعها تشير إلى استكمال مشروع جز العشب السوري قبل أن يشتد عوده ويقوى نباته، وهي:
أولا:
نزع السلاح من أيدي المسلمين والثوار، وذلك تحت عنوان صحيح هو بسط نفوذ الدولة، ولكن مضمونه غير عاقل في ظل توازنات القوى في المنطقة، حيث تتصل جميع الطوائف والقوى الجاهلية (قسد وداعش) بقنوات إقليمية ودولية قوية عريقة وقديمة، وهي تشكل رئة وشريان حياة لها، وتستطيع في لمحة بصر أن تعيد تسليحها وتذخيرها بسرعة البرق وقوة الرعد، فيما يبقى المسلمون عزل يذبحون كالأرانب ويسلقون كالدجاج -لا سمح الله-. (لبنان نموذجا)
إن المسارعة في نزع السلاح الثوري من أيدي الشعب السوري الحر، في ظل دولة سورية هشة ومخصية القوة ومقصية عن التطوير والتصنيع، أمر غير موفق ويطرح علامات استفهام على الرموز الثورية، والتي عاشت الصراع وأدركت كنهه الحقيقي!
ثانيا:
حلول ومزاحمة شياطين سورية -من الشخصيات المعادية للدين والشعب والثورة والمفارقة لهويته الثقافية الجامعة- في أركان الدولة السورية الجديدة وبدل أن يضيق على أمثال هؤلاء، باتوا هم من يكتم أنفاس السوريين ويجثم على صدورهم، وذلك في سياق تراكمي حكومي لا يوقف هذا المسار رغم اعتراضات الشعب الكريم!
ثالثا:
الضغوط المتواصلة لحل المجلس الإسلامي السوري والأطر الشرعية التي تشكلت من الثورة!
العبرة بتفكيك عموم الكيانات الشعبية المؤثرة لا بخصوص حل المجلس الإسلامي السوري.
وبغض النظر عن المعترك المتعلق بتجربة المجلس الإسلامي السوري وأداؤه، فإن المعتبر هو في قيمته وفاعليته في حسم الخيارات الكبرى والمواقف المطلوبة في المحن القادمة، حيث سيكون معبرا دون سواه عن واجب الوقت لما يتمتع به من مواصفات ذاتية، وأقلها سويته الشرعية والسياسية إضافة لتجسيده فسيفساء الاتجاهات الإسلامية للمدارس في عموم الشام وخصوص سورية.
الخلاصة
لا يؤاخذ حكام سورية وعلماء الشام وأهلها الكرام فيما لا يطيقونه، حيث أفضى الإختلال المريع في موازين القوة المحلية السورية والإقليمية الإسرائيلية والدولية الأمريكية، لتقليم أظافر الدولة السورية، حتى أصبحت فاشلة في إحداث الردع المطلوب في حدوده الدنيا تجاه المحتل الإسرائيلي الذي بات يفتش منازل السوريين ويستحييهم في بيوتهم في الجنوب السوري متى أراد وكيفما شاء!
إن المؤاخذة التي تستحق التوقف والنظر والمراجعة ثم الحساب والتقويم، هي في خطوات تقليم أظافر المجتمع السوري المسلم، وذلك من خلال سياسة تفكيك أطره المقدرة والفاعلة، بدل الإسراع الواجب في تعزيز الأطر المجتمعية المستقلة عن الدولة، وذلك في كل منحى بهدف تعزيز مسار التغيير، وسد العجز المشهود في مؤسسة الدولة الجديدة!
فهل يمكن القول إن الدولة السورية باتت مرتهنة للخارج من خلال غياب الإرادة السياسية المستقلة عند حكام سورية الجدد، أم أن هناك مشروعا عظيما خفيا لدى حكام سورية الجدد، لم يلتقطه أحد من الحكماء السوريين ودهاقنة السياسة وخبراؤها؟
سورية كالأقصى في خطر!
في ظل حالة الضعف العربي العام والسوري الخاص، وفي ظل الانكسار والتراجع الكبير في القضية الفلسطينية يمكن القول إن سورية الجديدة ستعيش ظروفا بالغة الحساسية، لما ستشهده من استباحة إسرائيلية.
ولعل حال الأقصى المبارك هو أقرب صورة متصورة لسورية في ظل التعامل الإسرائيلي معها في المدى المتوسط، حيث تهيمن إسرائيل على الأقصى بعد أن سرقت منه حائط البراق، فيما يصلي المسلمون في الأقصى بأوقات وتواجد يقرره المحتل، كما تشهد ساحات الأقصى اقتحامات متكررة ومواقف وتصريحات مستفزة.
وفي ظل ضعف مؤسسة الدولة فإن الدور الوحيد القادر على الصمود في وجه تلك المعادلة حتى تمر العواصف في تلك الحقبة الحالكة، هم العلماء والشعب الذي يتحشد خلفهم، فلماذا يتم تفكيك أطرهم اليوم وهل من مراجعة؟
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 29/6/2025